- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:دراسات في الدعوة
تنقسم مناهج الدعوة من حيث ركائز التأثير إلى ثلاثة أقسام:
. قسم يرتكز في التأثير على القلب، ويسمى بـ"المنهج العاطفي".
. وقسم يعتمد في تأثيره على الحواس الخمس. ويسمى بـ"المنهج الحسي".
. والقسم الثالث هو ذاك المنهج الذي يعتمد في تأثيره على العقل والفكر، ويسمى بـ"المنهج العقلي" أو المنهج العقلاني أو المنهج العلمي. وهذا الأخير هو الذي سنتناوله اليوم بالحديث.
تعريف المنهج العقلي:
مما سبق يمكننا تعريف المنهج العقلي بأنه: (النظام الدعوي الذي يرتكز في تأثيره على العقل، ويدعو إلى التفكر والتدبر والاعتبار).
وهذا المنهج في الدعوة امتلأ به القرآن الكريم، ففي كثير من آياته يدعو الناس إلى التأمل والنظر والتدبر ثم إعمال العقل للوصول للحقائق الكونية، والاستدلال على وجود الله تعالى وأنه المستحق بالعبادة دون غيره، وكذلك للاستدلال على القواعد والأسس والمبادئ التي أرسل الله بها نبيه محمدا وكذا سابق رسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
ومن صور هذا المنهج في القرآن ما ورد في مقارعة العقول بالحجة في إثبات خالقية الله للكون، حيث يقول سبحانه: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون . أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون}، وهذه القسمة العقلية التي لا زيادة عليها عند العقلاء، فلا مخرج لأهل الكفر عن الإقرار بالله تعالى خالقا.
ومثله أيضا محاجته للمشركين في ربوبيته وإلهيته والزاعمين بإله معه في الكون إذ يقول سبحانه: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون}، ويبين سبب هذا الفساد فيقول: {إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحانه وتعالى عما يشركون}.
فلما لم يكن خلل في كون الله دل على أنه لا إله معه ولا رب سواه.
وعموما فإن الدعوة لإعمال العقل دعوة قرآنية بامتياز حيث تقرأ كثيرا في كتاب الله: {أفلا تعقلون}، {أفلا تتفكرون}، {قل سيروا في الأرض فانظروا}، {أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون .... أفرأيتم ما تحرثون ... أفرأيتم الماء الذي تشربون...}، {أولم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}، ويقول: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن ذلك على الله يسير . قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير}، وصدق الله إذ يقول: {أفلم يدبروا القول}، {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.
أبرز أساليب هذا المنهج:
لكل منهج دعوي أساليبه التي يتميز بها عن غيره من مناهج الدعوة، ومن أبرز ما تميز به المنهج العقلي من أساليب:
1 ـ أسلوب المحاكمات العقلية والأقيسة بجميع أشكالها (قياس الأولى، وقياس التسوية، ومفهوم المخالفة، والقياس الضمني).
2 ـ أسلوب الجدل والمناظرة والحوار: وهو أسلوب دعوي فطري استعمله كل الأنبياء والدعاة، وحاوروا أقوامهم والمخالفين لإقامة الحجة وبيان المحجة، وإنما كان ضمن المنهج العقلي لاعتماده على العلم وإقامة الأدلة لإقناع وإفحام الخصم قال تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن}.
3 ـ ضرب الأمثال بأنواعها: الصريحة أو الكامنة.
4 ـ الأسلوب القصصي وخاصة ما يساق للاعتبار ويحتاج إلى إعمال عقل لاستخلاص المقاصد:
وغالب قصص القرآن إنما سيقت لمثل هذا الغرض، قال تعالى: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}، {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}(يوسف: ).
مواطن الاستعمال
يستعمل المنهج العقلي كثيرا مختلطا مع كل من المنهج العاطفي والمنهج الحسي وغيرها من مناهج الدعوة، ولكنه يتمحض أو يكاد أن يخلص في مواطن عدة.. فمن ذلك:
أولا: عند إنكار المدعوين للأمور الظاهرة، والبهيات العقلية: كما في قوله تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}(الطور: )، {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}(الأنبياء: ).
ثانيا: مع المعتدين بعقولهم وأفكارهم، لأنهم أسرع في التأثر بهذا المنهج المتماشي مع ميولهم. وإن كان اعتدادهم بآرائهم قد يمثل عقبة في سرعة القبول.
ثالثا: مع المنصفين من الناس، البعيدين عن التعصب لآرائهم، والمتجردين من الأغراض الخاصة .
رابعا: مع المتأثرين بالشبهات، والمخدوعين بالباطل، وذلك لإزاحة الشبه وتعرية الباطل وإظهار الحق.
من خصائص المنهج العقلي:
للمنهج العقلي خصائص يتميز بها عن غيره من المناهج الدعوية الأخرى.. فمن ذلك:
أ ـ اعتماده على الاستنتاجات العقلية، والقواعد المنطقية، والتركيز على الأمور الفطرية في الإقناع.
ب ـ عمق تأثيره في المدعوين، وذلك لرسوخ الفكرة التي يوصل إليها عن طريقه، إذ ليس من السهل تغيير القناعات والأفكار.
ج ـ إفحام الخصم المعاند، وإقامة الحجة عليه، ودحض استدلالاته.
د ـ ضيق دائرة استخدامه مقارنة بالمنهج العاطفي والحسي، وإن كان هذا يعتبر أمرا نسبيا حسب حال المدعوين ومستواهم الثقافي والفكري، واختلاف ذلك من بلد إلى آخر.
فعلى الداعية أن يحسن اختيار المنهج في المواقف الملائمة، ومراعاة حال المدعوين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يراجع كتاب:"المدخل إلى علم الدعوة"