يسألونك عن الساعة

0 2047

توالت الرسل الكرام على الحديث عن يوم البعث، وقيام الناس لرب العالمين، للفصل بين العباد، والحساب ولا ريب أن ما من جاءها نذير إلا وكان السؤال عن هذا اليوم الرهيب حاضرا في أذهانهم.

ولم يكن المجتمع العربي في فجر الإسلام بمعزل عن هذا السؤال، فقد حاول الصحابة أن يلتمسوا أي قبس من مشكاة النبوة تجلي ما أحاط بهذا اليوم من الغموض، وتحدد ميعاده لهم، بل -والعجب في ذلك- أن كفار قريش وعلى الرغم من إنكارهم للبعث قد ورد ما يدل على شغفهم بمعرفة ذلك الميعاد، بغض النظر عن تصديقهم للخبر من عدمه، وهو ما يمكن التماسه من تفسير قول الله تعالى: {يسئلونك كأنك حفي عنها } (الأعراف:187).

فكيف كان التعامل العقدي تجاه هذا السؤال المعرفي، ولماذا أخفى الله عنا توقيتها، وما حكم من ادعى معرفتها؟ .

الحسم في عدم المعرفة

لقد كانت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية واضحة في بيان أن ميعاد ذلك اليوم هو من خفايا الغيب التي لم يطلع الله تعالى عليها أحدا من خلقه، ومن أوضح دلائل ذلك اعتبارها إحدى مفاتح الغيب التي استأثر الخالق سبحانه بعلمه، فقال: {إن الله عنده علم الساعة} (لقمان: 34).

وعلى الرغم من تنوع أساليب عرض القضية في القرآن الكريم، إلا أنها اتحدت في حسم هذه المسألة وجعلها بابا مغلقا لا يمكن فتحه أبدا، فنجد أن الله تعالى يقول: وقال تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة } (الأعراف: 187)، ويقول:{بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون} (الأنبياء: 40)، ويرد علمها إليه: {إليه يرد علم الساعة} (فصلت: 47)، ويقول: {وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد} (الشورى: 17، 18)، ويقول: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين} (الملك: 25-26) إلى غير ذلك من الآيات.

والأحاديث النبوية جاءت أيضا مؤكدة لهذه الحقيقة ، ومن ذلك حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفاتح الغيب خمس) ثم قرأ: {إن الله عنده علم الساعة} رواه البخاري.

بل حرص النبي –صلى الله عليه وسلم- على غرس هذه المسألة مبكرا في نفوس الصحابة، حتى يربيهم على أن معرفتها لا يمكن أن تقع من أحد كائنا من كان، وذلك عندما جاء جبريل عليه السلام في صورة بشرية، يسأل خاتم الأنبياء والرسل:‏ أخبرني عن الساعة‏؟‏ فيقول له:‏ ‏(‏ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‏)‏‏ رواه مسلم.

علم قربها

تقرر أنه لا أحد يعلم على وجه التحديد متى تقوم الساعة، لكن ثمة أمورا أحاطت بهذا اليوم استطعنا أن نعرفها، فقد علمنا أنها قريبة جدا –مقارنة بما مضى من أيام الدنيا-، ويدل على ذلك قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} (القمر:1)، وحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بعثت أنا والساعة كهاتين؛ كفضل إحداهما على الأخرى، وضم السبابة والوسطى) متفق عليه.

ومن ذلك أيضا: بيان أماراتها وعلاماتها، قال الله: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تاتيهم بغتة فقد جاء أشراطها} (محمد:18) والسنة مليئة بالأحاديث التي تبين أشراط الساعة، وغالبا ما تأتي بصيغة: (لا تقوم الساعة حتى...) لبيان ما سيحدث آخر الزمان، وقد تم إفراد العديد من المقالات حول ذلك.

والحكمة في ذلك والله أعلم، هو أن في النفوس قلقا من هذا اليوم العظيم، والقدر الذي تم بيانه من علامات الساعة وقرب قيامها قدر إيجابي يجعل من هذه المعرفة دافعا لتجويد العمل والإسراع في التوبة والإنابة إلى الله.

كفر من ادعى معرفتها

مر معنا الكثير من النصوص الصريحة الواضحة في بيان جهالة يوم القيامة وعدم إمكان معرفة توقيتها، ولذلك: فكل من ادعى علم الساعة فهو خارج عن ملة الإسلام، لأنه ادعى معرفة أمر اختص الله به ولم يطلع عليه أحدا، لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، وما أكثر الكهنة على مر التاريخ الذين تنبأوا بزوال العالم وحددوا تواريخ لذلك، ثم تبين كذبهم وزيفهم.

حديث لا يصح

على الرغم مما تقرر من عدم معرفة الموعد الذي تقوم فيه القيامة وأن ذلك مما اختص الله به، إلا أنه قد وردت بعض الأحاديث الباطلة التي تحدد الوجه التقريبي لوقت الساعة، وذلك ببيان عمر الدنيا وأنها سبعة آلاف عام، إلا أن كل ما ورد في هذا الباب فهو مكذوب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ومن أشهر هذه الأحاديث، حديث منسوب إلى أحد الصحابة، رأى فيها رؤيا عجيبة، إذ يقول: "..إذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أما المنبر الذي رأيت سبع درجات، وأنا أعلاها درجة؛ فالدنيا سبعة آلاف سنة، وأنا في آخرها ألفا) والحديث موضوع كما قرر أهل العلم.

ولإمام ابن حزم في ذلك كلام نفيس إذ يقول: "وأما نحن (يعنى المسلمين)، فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا، ومن ادعى فى ذلك سبعة آلاف سنة، أو أكثر، أو أقل؛ فقد قال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لفظة تصح، بل صح عنه صلى الله عليه وسلم خلافه، بل نقطع على أن للدنيا أمدا لا يعلمه إلا الله تعالى، قال الله عز وجل:
{ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم} (الكهف:51).

الحكمة من إخفائها

لا شك أن الله تعالى ما أخفى عن الناس هذا اليوم إلا لحكمة عظيمة، وهي دفع الناس للعمل الصالح والاستعداد ليوم الرحيل، لأن خوفهم سيحملهم على مراقبة الله تعالى في أعمالهم؛ فيلتزموا فيها الحق، ويتحروا الخير، ويتقوا الشرور والمعاصي، ولا يجعلوا حظهم من أمر الساعة الجدال، والقيل والقال، وغير ذلك مما لا فائدة فيه، كما يقول العلماء.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة