- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:توجيهات ووصايا نبوية
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله) متفق عليه.
وعند الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر -وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة- : (اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة).
غريب الحديث:
عن ظهر غنى: أي زائدا عن حاجته، والمراد: أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر كفايته.
شرح الحديث:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه -رضوان الله عليهم- على عزة النفس والرفعة والاستغناء عن الناس، وعدم طلب الحوائج من أحد، حتى إنه بايع بعض أصحابه على الاستغناء عن الناس؛ كما في حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة؛ فقال: (ألا تبايعون رسول الله؟) وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: (ألا تبايعون رسول الله؟)، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: (ألا تبايعون رسول الله؟) قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا - وأسر كلمة خفية -ولا تسألوا الناس شيئا)، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه" رواه مسلم.
فالتعفف عن المسألة والترفع عن سؤال الناس مطلب شرعي، يؤكده ويوضحه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (اليد العليا خير من اليد السفلى)، ثم فسره فقال: (واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة)، ومع أن الوصف بالعلو والوصف بالسفل كاف لمعرفة أن هذا خير من ذاك -لأن ما يوصف بالعلو خير مما يوصف بالسفل-، إلا أنه نص على الخيرية زيادة في إيضاح وبيان عظم شأن الإنفاق، وكون المنفق يده خيرة وعليا، من علاء المجد والكرم -كما اختار الإمام الخطابي-، أي الترفع عن المسألة والتعفف عنها، كما في قول الشاعر: إذا كان باب الذل من جانب الغنى *** سموت إلى العلياء من جانب الفقر، يريد به التعزز بترك المسألة والتنزه عنها.
ولا يدخل في ذلك ما يهدى أو يأتي إلى المرء من عطايا أو هبات دون أن يسألها أو يطلبها، فعن السائب بن يزيد قال: لقي عمر بن الخطاب عبد الله بن السعدي، فقال: ألم أحدث أنك تلي العمل من أعمال المسلمين، ثم تعطى عمالتك فلا تقبلها؟ قال: إني بخير، ولي رقيق وأفراس، وأنا غني عنها، وأحب أن يكون عملي صدقة على المسلمين، فقال عمر: لا تفعل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطيني العطايا فأقول: يا نبي الله أعطه غيري، حتى أعطاني مرة، فقلت: يا نبي الله أعطه غيري، فقال: (خذه يا عمر، فإما إن تتموله، وإما أن تصدق به، وما آتاك الله من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك) اللفظ المرفوع متفق عليه.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وابدأ بمن تعول): أي إن كان عندك زيادة من مال فابدأ بأهلك الذين تعولهم، لأن المسلم يجب عليه أن يبدأ بالنفقة الواجبة عليه، ومنها النفقة على زوجته وأبنائه، وبعد ذلك يمكنه أن يتصدق على الأقربين ثم من سواهم، (وخير الصدقة عن ظهر غنى): أي لا صدقة إلا بعد إحراز قوته وقوت أهله، لأن الابتداء بالفرائض قبل النوافل أولى، وليس لأحد إتلاف نفسه أو إتلاف أهله بإحياء غيره، وإنما عليه إحياء غيره بعد إحياء نفسه وأهله، إذ حق نفسه وحق أهله أوجب عليه من حق سائر الناس.
ثم قال: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله): أي من يمتنع عن السؤال يجازيه الله تعالى على استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته، إما بأن يرزقه المال أو يرزقه القناعة، ومن يستغن بالله عمن سواه، فإنه يعطيه ما يستغني به عن السؤال، ويخلق في قلبه الغنى، فإن الغنى غنى النفس، وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، ثم قال: (ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر) متفق عليه، قال الإمام القرطبي: (ومن يتصبر) أي يعالج نفسه على ترك السؤال ويصبر إلى أن يحصل له الرزق (يصبره الله) أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه، حتى تنقاد له، ويذعن لتحمل الشدة, فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه".
التوجيه النبوي في الحديث:
- الترغيب في التصدق والحث عليه: ذلك أن اليد العليا يد المتصدق، والسفلى يد السائل، والمعطي مفضل على المعطى، والمفضل خير من المفضل عليه.
- مشروعية السعي في اكتساب المال: حتى ينفق على نفسه وعلى من يعول، وليكون لديه بعد ذلك ما ينفقه في وجوه الخير والبر، فيكون من أهل اليد العليا الممدوحة في الحديث.
- تقديم الأهم على المهم: أفضل الصدقة ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه، أو لمن تلزمه نفقته، حيث قال: (وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى).
- الاستغناء عن الناس، والترفع عن سؤالهم: قال الحافظ ابن حجر في الفتح بعد شرحه لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "في الحديث الحض على الاستغناء عن الناس والتعفف عن سؤالهم بالصبر والتوكل على الله وانتظار ما يرزقه الله, وأن الصبر أفضل ما يعطاه المرء لكون الجزاء عليه غير مقدر ولا محدود"، وقال الإمام ابن الجوزي: "لما كان التعفف يقتضي ستر الحال عن الخلق وإظهار الغنى عنهم فيكون صاحبه معاملا لله في الباطن فيقع له الربح على قدر الصدق في ذلك، وإنما جعل الصبر خير العطاء لأنه حبس النفس عن فعل ما تحبه وإلزامها بفعل ما تكره في العاجل مما لو فعله أو تركه لتأذى به في الآجل". وبالله التوفيق.