وصية النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة وعلي

0 1548

فاطمة رضي الله عنه، أم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وزوج علي رضي الله عنه، وابنة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، والإبنة الشفيقة المواسية لأبيها صلى الله عليه وسلم، وهي أحب أبنائه إليه، وأشبههم به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها: (فاطمة بضعة (قطعة) مني، فمن أغضبها أغضبني) رواه البخاري. ومع ذلك لم تكن حياتها في بيت زوجها مترفة ولا ناعمة، لان عليا رضي الله عنه - على عظم مكانته ـ لم يكن صاحب حظ من مال، ومن ثم فقد عاشت رضوان الله عليها في بيتها حياة بسيطة متواضعة، أقرب إلى أن توصف بالفقر والتقشف والخشونة .
وفي حياة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مواقف متعددة مع علي وفاطمة رضي الله عنهما، فيها الكثير من الفوائد والعبر، ومن هذه المواقف: موقفه صلى الله عليه وسلم معهما حين علمت فاطمة رضي الله عنها أن الله عز وجل جاء للنبي صلى الله عليه وسلم بسبي (أسرى)، فطلبت منه أن يرسل لها خادما (يطلق على العبد والجارية) يساعدها في أعمال بيتها، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم عليهما: (والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة (فقراء الصحابة الذين كانوا يسكنون بالمسجد النبوي) تطوي بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم) رواه أحمد. ثم أرشدها النبي صلى الله عليه وسلم لما هو أفضل لها من الخادم .
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى (آلة الطحن) مما تطحن، فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسبي، فأتته تسأله خادما فلم توافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم، فقال: على مكانكما، حتى وجدت برد قدميه على صدري (من شدة البرد)، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتماه، إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، فإن ذلك خير لكما مما سألتماه) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: (ألا أعلمكما خيرا مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أن تكبرا الله أربعا وثلاثين، وتسبحاه ثلاثا وثلاثين، وتحمداه ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم)، وفي رواية: قال علي: ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين).

فوائد:
هذا الموقف الذي حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة وعلي رضي الله عنهما فيه من الفوائد الكثير، ومنها:
قال ابن حجر:"ويستفاد من قوله: (ألا أدلكما على خير مما سألتما) أن الذي يلازم ذكر الله يعطى قوة أعظم من القوة التي يعملها له الخادم، أو تسهل الأمور عليه بحيث يكون تعاطيه أموره أسهل من تعاطي الخادم لها، هكذا استنبطه بعضهم من الحديث، والذي يظهر أن المراد أن نفع التسبيح مختص بالدار الآخرة ونفع الخادم مختص بالدار الدنيا، والآخرة خير وأبقى". وقال ابن هبيرة: "وفيه أن التسبيح خير من خادم لأنه جمع لها بين تسبيح الله ثلاثا وثلاثين، وحمده ثلاثا وثلاثين، وتكبيره أربعا وثلاثين يكمل ذلك مائة، فيكتب الله به ألف حسنة".
وقال المهلب: "وفيه حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من إيثار الآخرة على الدنيا إذا كانت له قدرة على ذلك". وقال القرطبي: "إنما أحالهما على الذكر ليكون عوضا عن الدعاء عند الحاجة، أو لكونه أحب لابنته ما أحب لنفسه من إيثار الفقر وتحمل شدته بالصبر عليه تعظيما لأجرها".

ومن فوائد هذا الموقف النبوي: أن من واظب على هذا الذكر لم يصبه الإعياء، لأن فاطمة رضي الله عنها لما شكت التعب أحالها النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الذكر، والذي من فوائده أنه يقوي البدن كما أنه يقوي القلب، وقد أفاد بهذا ابن تيمية.

ومن الفوائد أيضا: أنه إذا حصل ازدحام في الحقوق فإنه يؤثر صاحب الحق الأقوى والأعظم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها ـ لما طلبت خادما من السبي الذي جاءه ـ: (والله لا أعطيكم وأدع (أترك) أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم).

ومنها: جواز أن تشتكي البنت لأبيها ما تلقاه من الشدة والتعب، إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته فاطمة رضي الله عنها أنها اشتكت، ومن ثم فلو اشتكت البنت لأبيها أو أمها تعبها من أعمال بيتها، أو مشقة وأعباء تربية أطفالها، أو مشكلة في حياتها، فعليهما أن يقوما بدور الناصح الموجه، وأن يواصلا الاعتناء ببنتهما حتى بعد زواجها، فمسئوليتهما عنها لم تنته بتزويجها، وإنما هي مستمرة في التسديد والإصلاح والنصيحة وتخفيف ما يصيبها من أعباء جديدة نتيجة زواجها.

ومنها: جواز الاستخدام ـ بضوابطه وأحكامه ـ للرجل الصالح والمرأة الصالحة، قال ابن هبيرة: "وفيه جواز الاستخدام للرجل الصالح والمرأة الصالحة، ألا ترى أن فاطمة رضي الله عنها طلبت من أبيها صلى الله عليه وسلم خادما ولم ينكر ذلك عليها".

وكذلك من فوائد هذا الموقف النبوي كما قال ابن حجر: "إظهار غاية التعطف والشفقة على البنت والصهر (زوج البنت)"، فمواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع علي وفاطمة رضي الله عنهما تدل على أنه كان يبر بصهره كما يبر بابنته صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان إذا كان عنده زوج بنت أو زوج أخت أن يدخل السرور عليهما، ويسعى في دوام الألفة بينهما.

لقد علمت فاطمة رضي الله عنها أنها بنت أفضل النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك رضيت بالقليل، وضرب بها المثل في زواجها اليسير المهر، القليل المؤنة، وعاشت في بيتها حياة بسيطة متواضعة خشنة، فهي تطحن وتعجن خبزها بيديها، مع إدارة كافة شئون بيتها الأخرى، إضافة إلى حقوق زوجها عليها، وفي ذلك تسلية لكل من اشتدت حاله من تعب أو فقر، أن من هو أفضل منه ـ كفاطمة رضي الله عنها ـ لاقى مثله أو ما هو أشد، فلعل أن يكون في ذلك عبرة ودافعا له على الصبر والرضا.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة