- اسم الكاتب:فهمي قطب النجار
- التصنيف:الإعلام
من ضمن أهداف الإعلام في العالم الترويح أو الترفيه، بصرف النظر عن مفهوم الترويح واختلافه بين الشرق والغرب والتصور الإسلامي بشكل خاص.
ففي التصور الغربي: الترفيه يكون بكل وسيلة ممكنة، بما يسمى (الفن)، وهذا الفن لا يهم إن كان يتمثل بالفساد والانحلال، وكشف العورات، أو بالغناء الرخيص المثير للغرائز، والموسيقا، وكذلك بالرقص المائع، وبالأفلام السينمائية الماجنة، فالمهم في التصور الغربي الترفيه عن الفرد والمجتمع بشتى الوسائل.
وقد ساعد هذا الفن على التحلل الأخلاقي، وتفكك الأسرة، والابتعاد عن الدين، وعن كل سلوك خير، وهذا ما نشهده في الحياة الغربية بشكل لا جدال فيه، وقد تجد صيحات هنا وهناك من قبل بعض علماء الاجتماع والأخلاق، تنادي بأن الشر الذي يأتي من وسائل الإعلام، وبأسماء مختلفة، ينذر بهلاك الحضارة وبفساد المجتمعات، إلا أن هذه الصيحات الفردية سرعان ما تذهب أدراج الرياح، ومن المهم ذكر أن الترفيه في وسائل الإعلام أصبح الغالب على جميع البرامج الأخرى، بنسبة أكثر من 90% تقريبا، بل 100%، ومن المؤلم حقا أن تكون أغلب وسائل الإعلام العربية سارت على منوال وسائل الإعلام الغربية وتقمصت شخصيتها ووافقتها في غالب تصورها في هذا الباب.
أما الترويح في التصور الإسلامي، فإنه يختلف كل الاختلاف عن الترويح الغربي، في الوسائل وفي الأهداف وفي المفهوم أيضا؛ فالترويح عن النفس أمر فطري ومغروز في النفس الإنسانية، والراحة بعد التعب ضرورية للجسم والنفس أيضا، والكلال يتعب الجسم، وعامل من عوامل عدم البصيرة والإدراك والفهم، والترويح يعيد للجسم والعقل نشاطهما، ولعل الأثر الوارد في هذا المقام يبين هذا الأمر، وهو: "روحوا القلوب ساعة بعد ساعة؛ فإن القلوب إذا كلت عميت".
أهداف الترويح في الإسلام
فالإسلام أباح الترويح بشرط ألا يرتكب فيه حرام، والمجتمع الإسلامي يريد لأبنائه أن يروحوا عن أنفسهم؛ حتى لا يتردوا في حمأة الموبقات، والترويح في التصور الإسلامي له أهداف تربوية وعسكرية ورياضية وعلمية، وليس لمجرد شغل أوقات الفراغ.
• فمن أهدافه التربوية: أن يكون الترويح الإسلامي متميزا في مفهومه وأهدافه عن التصورات الأخرى، ويبتعد عن التقليد الأعمى للمجتمعات غير الإسلامية، ومن هنا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: [ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى](رواه الترمذي).
• ومن أهدافه العسكرية والرياضية: تربية جسم الفرد المسلم وتقويته؛ ليتحمل أعباء الجهاد في سبيل الله، فالصيد الحلال، بالإضافة إلى كونه ترويحا ومتعة وكسبا أيضا، فهو يمرن الجند على الركض والكر، ويعودهم على الرمي، بما يشبه البندقية، ثم هو رياضة تساعد على المحافظة على الصحة.
ومن الترويح الإسلامي ألعاب الفروسية، قال عليه الصلاة والسلام: [كل شيء ليس من ذكر الله، فهو لهو أو سهو، إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين (أي الرمي)، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليمه السباحة](رواه الطبري).
ويقول ابن عمر - رضي الله عنهما -: [إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سابق بين الخيل وأعطى السابق]( البخاري ومسلم).
وكذلك المصارعة، فقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صارع أبا ركانة فصرعه أكثر من مرة؛ أبو داود والبيهقي.
وأيضا سباق العدو أو الجري: قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها -: "سابقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته، فلبثت حتى أرهقني اللحم، سابقته فسبقني، فقال: ((هذه بتلك))(أحمد، وأبو داود، وغيرهما بسند صحيح).
وكذلك التصويب وإجادة الرمي بالسهام في عهده - صلى الله عليه وسلم - والآن الرمي بالبندقية أو المسدس وغيره من الأسلحة الحربية، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يشجع عليه ويقول: [عليكم بالرمي؛ فإنه خير لهوكم]، وعندما قرأ عليه الصلاة والسلام: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}[الأنفال:60]، قال: (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي](رواه مسلم)، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا: "علموا أبناءكم السباحة والرمي، والمرأة المغزل"(رواه البيهقي).
وكتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لولاته: "أما بعد، فعلموا أولادكم الرماية والسباحة، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا"؛ (تاريخ عمر؛ لابن الجوزي).
ومن الأهداف العلمية للترويح: اكتساب الذخيرة اللغوية والتعبيرية، والتزود بالثقافات المختلفة؛ وذلك عن طريق القراءة والمطالعة للقصص والمسرحيات، والكتب الثقافية، وهي تعد في هذا المجال من أرقى أنواع الترويح في العصور الإسلامية، ففيها يلتقط المسلم الحكمة أنى وجدت؛ مصداقا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: [الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها، فإذا وجدها فهو أحق بها](الترمذي:2688)
وهكذا نجد أن سبل اللهو المباح والترفيه متعددة الوسائل والأهداف؛ ففي السباحة والرمي وركوب الخيل: رياضة، وجندية، وفروسية، يتربى فيها الفرد المسلم، وفيها يروح عن نفسه، وفيها يعد نفسه للجهاد في سبيل الله، فمجال الترويح في التصور الإسلامي واسع، وحتى في وسائل الإعلام الحالية من إذاعة وراء "تلفاز" ومجلة، فيمكن استغلال القصة والشعر، والمسرحية، والفكاهة، والرياضة، والمناظر الجميلة لآيات الله في الكون وفي الأرض والسماء والبحار، كلها يمكن استغلالها في الترويح عن النفس؛ للتلطيف من تعب الحياة وكثرة مشكلاتها، وليس ضروريا اللجوء إلى التحلل من القيم، واستغلال الجنس، والأفلام الخليعة التي تشيع الفاحشة في المجتمع، أو الأغاني المملوءة بكلمات الحب والغرام لإثارة الغرائز البشرية، ليس ضروريا كل هذا، نملأ به وسائل إعلامنا ونسميه ترفيها وترويحا، باسم الفن تارة، وباسم الحب تارة، وتحت شعار "الفن من أجل الفن"، هتكوا الأعراض، وأفسدوا المجتمعات، وحللوا الأخلاق، فهل نسمي هذا ترفيها وترويحا؟
وسيبقى مفهوم الترويح الفاسد هذا، ما دام المفسدون العابثون وبائعو السموم، ودعاة الهدم والتخريب، سيبقى ما بقي هؤلاء هم القائمين على أمر الترويح في الإعلام ووسائله، وحين يتوافر للترويح مسلمون ملتزمون بإسلامهم، يعملون لمصلحة هذه الأمة المسلمة، ويكونون هم القائمين على أمره في وسائل الإعلام المختلفة، حينئذ يمكن للترويح السليم، والفن الجميل، أن يؤديا وظيفة إعلامية في تربية أذواق الناس، وفي البناء الإعلامي الخير، الذي يقدم الخير والصلاح لكل أفراد المجتمع المسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مقال "الإعلام وأثره في السلوك"