- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:من البعثة إلى الهجرة
في خضم ما كان يلاقيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من شدة العذاب والإيذاء من كفار قريش في مكة، جاء إليه صلى الله عليه وسلم وفد نصراني من الحبشة، فسألوه عن الإسلام فأجابهم، وعرفوا من أوصافه صلى الله عليه وسلم ما في كتبهم من صفاته ووصفه، وسمعوا شيئا من القرآن الكريم فأسلموا جميعا، فأثار ذلك مشركي قريش فآذوهم، ولكن هذا الوفد أعرض عنهم. وهذا الوفد أثر من آثار هجرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى الحبشة، وهو غير وفادة من وفد على النبي صلى الله عليه وسلم عام الوفود في السنة التاسعة للهجرة النبوية.
قال ابن هشام في السيرة النبوية: " قال ابن إسحاق: ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه وكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن. فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره. فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده، حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال، ما نعلم ركبا أحمق منكم. أو كما قالوا. فقالوا لهم: سلام عليكم، لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيرا (نقصرها عن بلوغ الخير). ويقال: إن النفر من النصارى من أهل نجران، فالله أعلم أي ذلك كان. فيقال ـ والله أعلم ـ فيهم نزلت هؤلاء الآيات: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين}(القصص52: 53) إلى قوله تعالى: {وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}(القصص: 55). قال ابن إسحاق: وقد سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن أنزلن؟ فقال لي: ما أسمع من علمائنا: أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه".
وقال ابن تيمية: "وروى البيهقي في كتاب دلائل النبوة وأعلام الرسالة فقال: .. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون رجلا ـ وهو بمكة أو قريب من ذلك ـ من النصارى حين ظهر خبره في الحبشة، فوجدوه في المجلس فكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مساءلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا له، وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش، فقالوا: خيبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم؟! ما نعلم ركبا أحمق منكم. ـ أو كما قال لهم ـ، فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا نألوا لأنفسنا إلا خيرا، ويقال - والله أعلم - إن فيهم نزلت هؤلاء الآيات: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون}(القصص:52)، {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} إلى قوله تعالى: {لا نبتغي الجاهلين}(القصص:55)".
وقال البغوي في تفسيره لقول الله تعالى: {وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين}(القصص: 53): ".. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: نزلت في ثمانين من أهل الكتاب، أربعون من نجران، واثنان وثلاثون من أهل الحبشة، وثمانية من الشام، ثم وصفهم الله فقال:{وإذا يتلى عليهم} يعني القرآن، {قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا}(القصص: 53)".
في قدوم هذا الوفد النصراني من الحبشة إلى مكة ثم إسلامه ـ رغم ما كان يلاقيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من شدة وابتلاء وإيذاء ـ: دلالة واضحة على أن ما قد يلاقيه أصحاب الدعوة الإسلامية في طريق دعوتهم إلى الله من الصعاب والآلام والابتلاءات، لا يعني بحال ما الإخفاق، ولا يستلزم الضعف أو اليأس، فلقد جاء هذا الوفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ليعلنوا ـ بلسان مقالهم ـ إسلامهم، وليعلنوا كذلك ـ بلسان حالهم ـ أن أعداء الإسلام مهما ضيقوا عليه وتآمروا عليه وكادوا له، لن يستطيعوا أن يمنعوه عن الانتشار في مشارق الأرض ومغاربها، قال الله تعالى: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}(الصف: 9:8). قال ابن كثير: "أي: يحاولون أن يردوا الحق بالباطل، ومثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس بفيه (فمه)، وكما أن هذا مستحيل كذلك ذاك مستحيل"، وقال السعدي: "قد تكفل الله بنصر دينه، وإتمام الحق الذي أرسل به رسله، وإشاعة نوره على سائر الأقطار، ولو كره الكافرون". وقال صلى الله عليه وسلم: (ليبلغن هذا الأمر (الإسلام) ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو ذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا وذلا يذل الله به الكفر) رواه الحاكم.