- اسم الكاتب:الشيخ / صلاح بن محمد البدير*
- التصنيف:مساوئ الأخلاق
الحمد لله الكريم الوهاب، فاضل بين خلقه في الفهوم والعلوم والعقول والآداب، وحرم الفحش والبذاء والسباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إليه أدعو وإليه مئاب، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى جميع الآل والأصحاب.
أما بعد:
فإن المؤمن بالخير يتدفق، وبالخلق يترفق، والملاطفة في الخطاب، واللين في الحديث، والترفق في الحوار سبيل قويم به تستمال النفوس، وتستعطف الأهواء المختلفة، وترد القلوب النافرة، والآراء المتغيرة، يقول – تعالى ذكره – لهارون وموسى – عليهما السلام -: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} (طه: 44).
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: "هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو: أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين".
السباب لقاح الفتنة والفرقة
إن السباب لقاح الفتنة والفرقة، والسباب لا يرد شاردا، ولا يجذب معاندا، وإنما يزرع ضغائن وأحقادا، ويزيد المخالف إصرارا وعنادا.
ومن أقذع مخالفه، ورماه بالفحش، وأساء القول فيه، وشاتمه بالكلام القبيح، فقد زاد الطين بلة، والمرض علة.
وصاحب الخلق الدنيء، واللسان البذيء، الطعان في الأعراض، الوقاع في الخلق، القذاف للبرآء، الوثاب على العباد، عياب المغتاب، الذي لا يفوه إلا بالفحش والسباب لا يكون مصلحا ولا ناصحا ولا معلما.
وتتسارع الأحداث في الأمة، فلا يسمع الناس صيحة أو وجبة أو حادثة، دانية أو قاصية، إلا طاروا إلى الشبكة العنكبوتية، يتخذون تلك الأحداث أسبوبة يتسابون بها ويتشاتمون عليها، يهرعون إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ما بين حاذف وقاذف، وطاعن ولاعن، وساب وشاتم، إلا من رحم الله، وقليل ما هم.
فيا من تسطرون اللعائن والشتائم، وتطلقون التهم والأحكام! ستسألون عما تكتبون في يوم تجتمع فيه الخلائق، وتوزن فيه الأعمال والدقائق، وتأتي كل نفس معها شاهد وسائق.
يا من توارى وراء شاشة جهازه .. يا من استتر باسم مستعار، وتباعد عن الأنظار، وصار يكيل السب والشتم لغيره! أنسيت أن الله يراك؟! وهو مطلع على سرك ونجواك؟!
وليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء. وما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سبابا، ولا فحاشا، ولا لعانا، وقال: "إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة".
وسباب المسلم فسوق، والمستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان.
وعن جابر بن سليم – رضي الله عنه -، أنه قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: اعهد إلي، قال: "لا تسبن أحدا". قال: فما سببت بعده حرا ولا عبدا، ولا بعيرا ولا شاة.
وقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك، فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه" {أخرجه أبو داود}.
يا عبد الله:
تب مما كتبت يداك، وامح سبك وأذاك، وتذكر قول خالقك ومولاك: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} (الإسراء: 53).
ولقد نهى الله تعالى المؤمنين عن سب آلهة المشركين، لئلا يكون سبها سببا لسب الله تعالى، وسب آلهتهم يزيدهم كفرا وتصلبا ونفورا، فعاد سبها منافيا لمراد الله تعالى من الدعوة والرسالة، قال تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} (الأنعام: 108).
فالحذر الحذر، لا تلقوا عباد الله بالغلظة والشدة، والطعن واللعن والسباب، فتحملوهم على النفور عن الحق والسنة والفضيلة، وأوضحوا الحق بالحجة والبرهان، والدليل والبيان، بحكمة ورفق وبصيرة؛ فإنما يجب عليكم النصح والأمر والنهي، وليس عليكم هداهم وصلاحهم، وعلى الله لا عليكم حسابهم وجزاؤهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*خطبة للشيخ ( بتصرف يسير)