وَفْد مُزَيْنة وما فيه من دلائل النبوة

0 446

في رجب من السنة الخامسة من الهجرة النبوية قدم وفد مزينة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عددهم أربعمائة رجل، وهذا الوفد يعتبر أول الوفود التي قدمت المدينة المنورة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها، قال ابن كثير في البداية والنهاية: "كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضر أربعمائة من مزينة، وذلك في رجب سنة خمس، فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة في دارهم وقال: أنتم مهاجرون حيث كنتم، فارجعوا إلى أموالكم". وكان ضمن هذا الوفد النعمان بن مقرن ودكين بن سعيد المزني رضي الله عنهما كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات الكبرى.

عن قرة بن إياس رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: "(في رهط): أي مع طائفة من مزينة: بالتصغير قبيلة معروفة من مضر، وهو (رهط) بسكون الهاء ويحرك، قوم الرجل وقبيلته، أو من ثلاثة إلى عشرة، كذا في القاموس، وقيل: إلى الأربعين على ما في النهاية، ولا ينافيه ما روي أنه جاء جماعة من مزينة، وهم أربعمائة راكب وأسلموا، لأنه يحتمل أن يكون مجيئهم رهطا رهطا، أو لأنه مبني على أنه يطلق على مطلق القوم".
وعن النعمان بن مقرن رضي الله عنه قال: (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة من مزينة، فلما أردنا أن ننصرف قال: يا عمر زود القوم، فقال: ما عندي إلا شحا (قليلا) من تمر، ما أظنه يقع من القوم موقعا، قال: انطلق فزودهم، قال: فانطلق بهم عمر فأدخلهم منزله، ثم أصعدهم إلى علية (غرفة) له، فلما دخلنا، إذا فيها تمر مثل البكر الأورق (الفتي من الجمال الذي لونه بياض إلى سواد)، فقال: خذوا، فأخذ القوم حاجتهم، قال: وكنت أنا في آخر القوم، قال: فالتفت وما أفقد موضع تمرة، وقد احتمل منه أربعمائة رجل) رواه أحمد والطبراني. قال ابن القيم في زاد المعاد: "قال النعمان: فكنت في آخر من خرج، فنظرت فما أفقد موضع تمرة من مكانها".
وعن دكين بن سعيد المزني رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: قم فأعطهم، قال: يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية (القيظ في كلام العرب أربعة أشهر)، قال: قم فأعطهم، قال عمر: يا رسول الله سمعا وطاعة, قال دكين: فقام عمر وقمنا معه, فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته (معقد الإزار) ففتح الباب, فإذا في الغرفة من التمر شبه الفصيل (ولد الناقة إذا فصل عن أمه) الرابض (الجالس) فقال: شأنكم (خذوه وافعل ما تروه به)، فأخذ كل رجل منا ما شاء, ثم التفت وكنت من آخر القوم, وكأنا لم نرزأ (ننقص) منه تمرة) رواه أحمد.

عاد وفد مزينة إلى بلادهم مزودين بالإيمان والتمر، وقد رأوا بأعينهم دليلا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم في تكثير التمر القليل الذي أخذوا منهم ما يكفيهم وما يحبون ـ وقد كان عددهم أكثر من أربعمائة ـ وبقي كما هو لم ينقص منه شئ، وقد ذكر الهيثمي حديث النعمان بن مقرن في "مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد في كتاب علامات النبوة، باب معجزته صلى الله عليه وسلم في الطعام وبركته فيه" وقال رواه أحمد والطبراني. وذكره كذلك السيوطي في كتابه الخصائص الكبرى باب: ما وقع في وفد مزينة من الآيات.

هذه المعجزة والآية النبوية في تكثير الطعام (التمر) مع وفد مزينة تكررت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أماكن مختلفة وصور متعددة، كان منها يوم الخندق، حينما أطعم ألف نفر من شاة صغيرة وصاع من شعير، وفي غزوة تبوك أخذ الجوع من الصحابة كل مأخذ، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر رواحلهم، فطلب منهم أن يأتوه بما بقي من أطعمتهم، فدعا فيه بالبركة، ثم قال: خذوا في أوعيتكم، فأخذوا في أوعيتهم فأكلوا حتى شبعوا، وحملوا ما بقي . وحين شكى جابر بن عبد الله رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم من تحمله ديون والده الذي استشهد يوم أحد، وإلحاح الغرماء في طلب حقوقهم، جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بستانه ودعا له بالبركة في ثمره، فقضى جابر دين أبيه وبقي زيادة. وحينما استضاف أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته جاء عليه الصلاة والسلام ومعه سبعون أو ثمانون من أصحابه، فدعا في الطعام، ثم طلب منهم أن يدخل منهم العشرة ليأكلوا ثم يخرجوا ويأتي غيرهم، حتى أكل الجميع وشبعوا من ذلك الطعام اليسير.. إلى غير ذلك من معجزاته وآيات نبوته صلى الله عليه وسلم في بركته في تكثير الطعام القليل، وذلك لا يكون إلا وجها من وجوه الدلائل والمعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة