- اسم الكاتب:( الألوكة بتصرف )
- التصنيف:خواطـر دعوية
إنها قصة أصحاب أخدود أخرى لكنها تتكرر اليوم في ميانمار، بكل صورها المؤلمة، وأحداثها المؤسفة، ومشاهدها المروعة.. وكأن الأمس الأليم ينهض اليوم وهو حزين حيث تتكرر محنة المؤمنين فيه من جديد بقسوتها وضراوتها، وشدتها ومرارتها حيث يغيب الإنسان حسه وعقله ومشاعره ويستبدل مكانها استعداء الضعيف وقهر المسكين. وحوش ضارية وكائنات غريبة لا تشبع من الدم، ولا يضطرب قلبها لمشاهد القتل والذبح والغرق والسحل.
إنها حرب جديدة على الدين والهوية يسعر أوارها، وتذكي نارها بحقد الكفار، ولؤم المشركين، وعناد المستكبرين، وتآمر الحاقدين، وضغينة البوذيين وخبث الجيران المتآمرين. حرب قانونها القتل أو التهجير والترحيل والتخلي عن الأرض والوطن والذكريات والممتلكات، حيث لا مكان لمسلم بينهم، ولا وجود لأهل القرآن معهم، ولا متسع لعمار المساجد فيهم، وهكذا هو حال الكفار مع المسلمين.
العالم كله بعواصمه الكبرى، وحواضره المختلفة، وقياداته التي تدعي التحضر، ومؤسساته التي تصف نفسها بالإنسانية والحقوقية كلها تقف أمام هول محنة المسلمين في ميانمار متفرجة ساكتة، لا أحد يعترض، لا أحد يستنكر، لا أحد يشجب أو يرفض أو يحاول الصد أو الرد أو المنع، ولا نسمع تهديدا بتحرك جماعي، أو عقاب أممي، أو عقد تحالفات دولية رغم هول ما يرى، وصدمة ما تنقله وسائل الإعلام، وفظاعة ما يرويه الناجون من اللاجئين منهم إلى بنغلاديش أو أندونيسيا، بل يكتفي المراقبون منهم برصد الجريمة وتوثيقها وتعداد ضحاياها وتحديد زمانها ومكانها، ولكنهم لا يعملون على منعها، ولا يسعون لحماية ضحاياها، رغم أنهم يبادون ويستأصلون ويذبحون ويحرقون ويقتلون ويسحلون.
لا يمكن السكوت عما يجري في ميانمار، كما لا يمكن الصمت إزاء الصور التي تتناقلها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإعلامي المختلفة، فلا الصمت جائز، ولا العجز مبرر؛ إذ أن الصور فاضحة والجرائم صادمة والمسؤولية الحكومية واضحة، وتورط الجيش مكشوف فهم يشاركون بزيهم العسكري، وموافقة الحكومة معلومة ومساهمة السلطات المحلية معلنة، ورجال دينهم يشاركون في الجريمة ويباركونها، وعامة المواطنين يساهمون فيها بالقدر الذي يستطيعون وبالحقد الذي يملكون، وعجز المجتمع الدولي مخز، وصوته ضعيف، وفعله غير مجد؛ إذ يبدو قطعا أن ما يجري لا يعنيه ولا يهمه ـ رغم دعوات الأمين العام للأمم المتحدة الذي ندد بالمجازر ودعا حكومة بورما إلى الاعتراف بالروهينيغيا كأقلية مسلمة، ومنحهم هوية بلادهم وجنسيتها، ووقف جرائم الإبادة العنصرية التي تنفذ بحقهم.
إنها جريمة تطهير عرقي وديني قل في التاريخ أمثالها، فقد شقت فيها الأخاديد بعلم الدولة، وأضرمت فيها النار بمسؤولية الحكومة، وحرقت البيوت أمام وسائل الإعلام، وقتل المسلمون أمام أنظار الكون كله، وحرق الأطفال والتلاميذ المسلمون أحياء وقطعوا أشلاء في مدارسهم ووفي بيوتهم وفي الطرقات، وشرد أهلهم من مناطقهم، وأخليت المدن والتجمعات منهم، وأغرقوا في البحار والأنهار أثناء هروبهم ومحاولات نجاتهم، فيما بدا أنها إرادة حاقدة عمياء، متعصبة سوداء مقيتة، وممارسات وحشية عنيدة، وسياسة عنصرية بغيضة لها من يعينها ومعها من يساندها ويتآمر معها؛ إذ لا يقوى البورميون على ارتكاب هذه الجرائم الفظيعة لولا الصمت الدولي المريب، والموافقة الأممية المشبوهة، والتآمر الإقليمي، وتحريض الجوار، وتأليب قادة وحكومات الدول المجاورة.
السلطة الحاكمة في ميانمار تتحمل المسؤولية الكاملة إزاء ما يتعرض له المسلمون في بلادهم إذ أن الذي يحرق البيوت والمتاجر ويطرد السكان ويقتل المواطنين أو يجبرهم على التخلي عن دينهم والتحول إلى البوذية وهي دين الدولة الرسمي إنما هم جنود نظاميون وعناصر شرطة بلباسهم الرسمي وأسلحتهم النظامية والذي يجبرهم على العمل بالسخرة في الثكنات العسكرية وفي شق الطرق وبناء الجسور وحفر الأنفاق إنما هو جيش الدولة والسلطة الحاكمة حيث يرتكبون هذه الجرائم المنظمة وفق تعليمات واضحة وتوجيهات مباشرة من قيادتهم العليا وبمباركة علنية من رجال الدين البوذيين الذين يرون في الإسلام في بلادهم عدوا يجب استئصاله وفي الهوية المسلمة خطرا ينبغي شطبها أو تغييرها.
ويشارك العالم حكومة بورما في هذا الجرم المريع بصمتهم المطبق وعدم محاولتهم الضغط عليها لوقف هذه المذابح المروعة، وهذه الجرائم ضد الإنسانية، كما أنه يزيد من صلفها وتعنتها وقوف بعض الدول الكبيرة والتي على نفس معتقدات الحكومة البورمية فكلهم بوذيون، مع العجز التام والصمت المطبق من قبل الحكومات الإسلامية والعربية والجامعة العربية والمنظمات المنسوبة للإسلام خوفا من اتهامها بالإرهاب.
إن من واجب كل من يحمل مسمى إنسان أن يقف مع هذا الشعب المظلوم والذي يلاقي كل أنواع التنكيل والتشريد والتعذيب، ويواجه كل ما يدخل تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية.
كما أنه من واجب المسلمين من باب أولى ـ شعوبا وحكومات ـ الوقوف مع إخوانهم المسلمين في هذه المحنة العظيمة، ونصر قضيتهم والعمل أولا على إيقاف المذابح والتهجير، وتحريك المجتمع الدولي كله لنصرتهم وإغاثتهم، والضغط على حكومة ميانمار بكل طريق ممكن ـ خصوصا وكثير من الدول لها علاقات سياسية واقتصادية مؤثرة معهم، وكذلك الضغط لدى الدول المساندة لإيقاف هذه المساندات، ورفع الصوت عاليا في المحافل حتى ترتفع هذه الغمة عن الشعب الروهينجي المسلم.