القصة وأثرها في بناء شخصية أولادنا

0 1879

القصة حكاية على شكل أشخاص وأحداث تتحرك، وهي إما حقيقية، أو رمزية من نسج الخيال.
وهذه الوسيلة من أهم الوسائل التوجيهية في حياة الإنسان، والنفس الإنسانية تميل إلى سماع القصة؛ لعدة أسباب :
♦ في القصة انفعال النفس بالمواقف حين يتخيل الإنسان نفسه داخل الحوادث.
♦ المشاركة الوجدانية لأشخاص القصة، وما يثير ذلك في النفس من مشاعر وأحاسيس.
♦ ثم إن النفوس تأنس بالاقتداء: (الكلام النظري إذا دعم بقصة، أحبه الولد وسهل عليه...).

الطفل والقصة:
القصة من أهم الوسائل التربوية في حياة الطفل، تلعب دورا كبيرا في شد انتباه الطفل ويقظته الفكرية والعقلية، وتحتل المركز الأول في الأساليب الفكرية المؤثرة في عقل الطفل؛ لما لها من متعة ولذة، واعتبر ذلك في القصة التي تقصها للصبي الصغير، تجده مشتاقا إليها، منتبها معها، وتمر عليها الأيام الطوال، فيعيدها لك بأحداثها ونبراتها، وطريقة ذكرها.

القصص في القرآن:
ولذلك ورد في القرآن الكريم منها الشيء الكثير؛ لأنه وسيلة إلى هداية النفس وانقيادها إلى الحق والعدل والفلاح والهدى؛ قال الله تعالى: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)[الأعراف:176]، قال الإمام عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)[الأعراف:176] في ضرب الأمثال، وفي العبر والآيات، فإذا تفكروا علموا، وإذا علموا عملوا".

وقال سبحانه وتعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)[يوسف:3]، وسلك النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنهج؛ فكان يقص للصحابة الكثير من المواقف والأحداث الماضية، بقصد توجيههم وبناء شخصيتهم بهذه الوسيلة.

الأسرة والقصة:
القصة لا تنقطع في الأسرة في جميع مراحل العمر، غير أنها تختلف في الأسلوب والقوة والنوع، والأسرة الناجحة تنتقي قصصها جيدا، سواء القصة المكتوبة أو المشاهدة، مع توضيح الأهداف والقيم التي يريدون ترسيخها في الطفل، وترجمة ذلك إلى أساليب تربوية مناسبة لسن الطفل.

ماذا نقص لأطفالنا؟
نحن في عصر كثرت فيه الأهواء، واختلطت فيه الرايات، فيجب أن تكون قصصنا وحكاياتنا للأطفال تدل على كمال الرفعة والبطولة والتميز؛ ربانية الهدف، إيمانية الإيحاء، تخدم في الطفل العقيدة الصحيحة، والخلق النبيل، والشخصية الإسلامية المتميزة؛ ولذلك فإننا نحكي لأطفالنا ما يقوم فيهم تلك الصفات والكمالات:

1- القصص من القرآن الكريم:
قال سبحانه وتعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)[يوسف:3]، وإذا تأملت في قصص القرآن الكريم وجدتها أحسن القصص؛ فهناك قصة آدم عليه السلام وما كان بينه وبين إبليس والملائكة، هناك قصة نوح عليه السلام وما كان من أمره مع قومه وولده، وهناك قصة إبراهيم مع زوجته سارة وهاجر، ومع قومه في مواقف كثيرة، هناك قصة ابنتي شعيب للفتاة المسلمة، هناك قصة ابني آدم للإخوة، قصة الأسباط مع أخيهم يوسف عليه السلام، هناك أصحاب الأخدود ومسيرة الصراع بين التوحيد والكفر، قصة أصحاب الرقيم ومسيرة الصراع بين التوحيد والكفر، قصة أصحاب الفيل، وأصحاب القرية، وقصة سبأ وعاقبة الكفر بأنعم الله، قصة عاد وثمود، ومدين قوم شعيب، ومسيرة التكذيب في البشرية، قصة موسى وفرعون وقارون وهامان ومسيرة الطغيان في الأرض، قصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، قصة لقمان مع ولده، قصة صاحب الجنتين.

جميع ذلك مذكور في القرآن الكريم بأساليب متنوعة من الحوار والسرد والتعقيب، تحقق جميعها مقاصد القصة كاملة، يمكن تبسيطها وتقريبها للولد بأسلوب مشوق متميز، فتتحقق الأهداف بإذن الله.

2- سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
منذ القديم والناس مولعون بالحديث عن عظمائهم وأصحاب الفضل فيهم، والنبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة التي ينبغي أن ترتبط بها شخصية الطفل في الحياة؛ قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)[الأحزاب:21]، الغرض من دراسة السيرة النبوية ليس مجرد الوقوف على الوقائع التاريخية، ولا سردها للطفل للسمر؛ وإنما الغرض منها: أن يتصور الولد حقيقة الإسلام متجسدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فهمها مبادئ وقواعد مجردة في الذهن.

3- القصص النبوي:
وهي القصص التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "كان فيمن كان قبلكم"، أو غير ذلك، وهي قصص كثيرة، فيها الفائدة والعبرة والموعظة؛ كقصة جريج العابد، وقصة الكفل، وقصة إبراهيم مع سارة والجبار، وقصة الثلاثة الذين آواهم المبيت في الغار، وقصة أصحاب الأخدود، وقصة الأقرع والأبرص والأعمى، وقصة السحابة والفلاح، وقصة المقترض ألف دينار والخشبة.

جميع هذه القصص ترسخ في الولد القيم والمبادئ التي نبتغي تنشئته عليها، خاصة إذا قصها المربي بأسلوب مشوق وجذاب؛ فإنها حينئذ من أقوى الوسائل تأثيرا في نفس وعقل الولد.

4- قصص العظماء والأمجاد:
من الصحابة والتابعين والصالحين والمجددين والفاتحين والنابغين والمتميزين في كل زمان ومكان؛ فإن في سيرهم عبرة وعظة تحمل المستمع على الاقتداء والتأسي، وتصنع فيه روح المبادرة والانطلاق والتجديد؛ كما قال الله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)[التوبة:100].

5- القصص النافع من الأدب الرمزي العام:
وهي القصص التي تكون على لسان الحيوان أو الجماد، ولكنها تدل على حقائق في الحياة والنفوس والعباد، وهي من ضرب المثل الطيب لأخذ العبرة والعظة.

كيف نحكي لأولادنا ؟
إن تأثر الولد بالحكاية يتوقف على عوامل عدة:
وضوح أحداث الحكاية لدى الطفل: فإن الحكاية الغامضة مملة وصعبة الحفظ؛ ولذلك يجب ألا يكون في القصة محسنات بديعية، ولا صور بيانية؛ فإن ذهن الطفل غير مستعد لذلك، بل عليك بالبساطة والوضوح، والتركيز على التشويق، بلغة بسيطة سهلة جذابة.

أسلوب الحكاية: شدة انفعال الصبي بالقصة يتوقف على أسلوب القصة، وشدة انفعالك أنت بأحداثها؛ فحاول تغيير الأسلوب والصوت وطريقة الإلقاء بحسب الأحداث، يجب أن تحسن اختيار الوقفات لشد انتباه الطفل، أدخل الحوار والتكرار والاستفهام بين الحين والحين؛ ليزداد الإقبال والاستيعاب والتشويق، وأحيانا اقطع القصة ليزداد شوق الطفل إليها، الحاصل أنه من يجيد فن الرواية للأطفال فإنه سيتعايش مع القصة وأحداثها، ويقف على ما فيها من التشويق والإثارة، حتى يتمكن بذلك من بث روح الحكاية في نفوس الأطفال.

التركيز على القيم المستنبطة من القصة: القاص ينبغي أن يلائم الأحداث للأبعاد التربوية والتعليمية: مثال ذلك: هذه القصة في حسن الجوار والتكافل مع الجار، يتم تقديمها بأسلوب بسيط وممتع، عنوان القصة: "جوار سعيد بن العاص": [أراد جاره بيع داره بمائة ألف درهم، فباعها وقال للمشترين: بكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص؟ فقالوا: وهل يشترى جوار قط؟! قال: ردوا علي داري، لا أبيع، وخذوا مالكم؛ لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني نائبة فرج عني، فبلغ ذلك سعيدا، فبعث إليه بمائة ألف درهم".
انظر كيف تقصها للطفل الصغير مع تبسيط القيم الجمالية التي تحتويها؛ لأنها هي المقصودة للتأثير في نفس وعقل الطفل، ولا بأس أن تستعين في هذا بالتحضير والتشاور مع الغير.

متى نحكي لأطفالنا؟
ما هي أفضل الأوقات لحكاية القصص للأطفال؟

1- قصة لكل موقف (التربية بالأحداث): تكون القصة أكثر تشويقا وأعمق تأثيرا حينما تأتي موافقة للحالة الشعورية والظروف النفسية التي يمر بها المستمع، مثال ذلك: حين يكون الولد مريضا نذكر له قصص الصبر والاحتساب، وحين يكثر ضجيج الولد على الجار يتم توقيفه لنقص عليه قصة من قصص الإساءة للجار، وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة، وحين تنتهي عقوبة الطفل الذي عق أمه برفضه شراء الأغراض من المتجر، نذكر له حكاية الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، أو قصة الرجل الذي يطوف الكعبة بأمه على ظهره وهو يقول:
إني لها مطية لا أذعر .. .. إذا الركاب نفرت لا أنفر
ما حملت وأرضعتني أكثر ..الله ربي ذو الجلال أكبر
ثم قال الرجل: يا بن عمر، أترى أني جزيتها؟ قال: "لا، ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت، والله يثيبك على القليل كثيرا".

2- قصة قبل النوم: إن القصة في هذا الوقت لها أهمية كبرى؛ فإن الطفل في هذا الوقت خاصة يعيش بخياله، ويتصور الأشياء، ويضيف إلى ما هو واقعي شيئا من الخيال حسبما يتراءى له، ووفقا لحالته المعنوية وأحاسيسه الوجدانية، وقد تعمل فيه القصة في النوم، والقصة في هذا الوقت تثبت في ذاكرة الطفل، وتختمر في عقله أثناء النوم، فعلى المربي أن يحسن اختيار قصص قبل النوم؛ بالابتعاد عن قصص العنف والحيوانات الخرافية المفزعة، حتى لا ينطبع ذلك في ذاكرة الطفل ويرى كوابيس مفزعة.

3- قصة عند الطلب: فإن الطفل حين يطلب قصة، فهو في كامل الاستعداد النفسي والانفعالي لسماعها والتأثر بأحداثها؛ فالطفل حينما يقول لك: "احك لي حكاية"، فهي فرصة ثمينة، كأنه يقول لك: "علمني خلقا، أو لقني درسا"، فلا تكن عن هذا من الغافلين!

نموذج لمنهج الحكاية وكيفية ترسيخ أهدافها:
الخلق الذي نريد ترسيخه: نريد ترسيخ خلق الصدق والمراقبة في شخصية الطفل.

القصة التي نحكيها للولد: ذكر قصة الأقرع والأبرص والأعمى (رواها البخاري ومسلم)، في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة للسن والقدرات.

الحكم التي نبينها له: صدق الأعمى ومراقبته لله تعالى هو الذي جعله ينال رضوان الله تعالى، وأن يدوم عليه الفضل والخير، وكذب غيره هو الذي صيره إلى ما كان عليه من الفقر وسوء الحال.

المشاركة والمراقبة والمثوبة:
• لنكن صادقين في أقوالنا حتى يدوم علينا الفضل والخير؛ فإن الله يراقبنا.

• اختيار حالات ومواقف يتم عبرها امتحان صدق الطفل من كذبه، ومجازاته على ذلك بحسب حاله (وضع دراهم في مكان قريب من الطفل، وضع حلوى الأخ في مكان قريب منه، امتحان الطفل بإيصال أمانة تعلمه أنها غير محسوبة وأنت تعلم حسابها).
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة