- اسم الكاتب:سامي المالكي ( بتصرف يسير )
- التصنيف:خواطـر دعوية
هو العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو شفاء لما في الصدور، والحكم العدل عند مشتبهات الأمور، وهو الكلام الجزل، وهو الفصل الذي ليس بالهزل، سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره، بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول.
إنه كتاب الله العظيم إنه القرآن الكريم الذي أكرمنا الله بإنزاله على نبينا، وخصنا بشرف أعظم كتبه {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}[المائدة:15، 16].
كل كلمة منه لها من نفسها عجب، ومن طلعتها غرة، ومن بهجتها درة، عجيب في انتقالاته: من قصص باهرة، إلى مواعظ زاجرة، وأمثال سائرة، وحكم زاهرة، وأدلة على التوحيد ظاهرة، وأمثال بالتنزيه والتحميد سائرة، ومواقع تعجب واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان الكلام ترجية بسط، وإن كان تخويفا قبض، وإن كان وعدا أبهج، وإن كان وعيدا أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجرا أرعب، وإن كان موعظة أقلق، وإن كان ترغيبا شوق.
فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنى وأعذب أسلوب، لا يستقصي معانيه فهم الخلق، ولا يحيط بوصفه على الإطلاق ذو اللسان الطلق، فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره، واصطفاه للتذكير به وتذكره، فهو يرتع منه في رياض، ويكرع منه في حياض.
ويطيب قلب بالتلاوة حاضر .. .. ويطيب عيش عندها وممات
يملأ القلوب بشرا، ويبعث القرائح عبيرا ونشرا، يحيي القلوب بأوراده، ولهذا سماه الله روحا فقال سبحانه: {يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده}[غافر:15]، فسماه روحا لأنه يؤدي إلى حياة الأبد، ولولا الروح لمات الجسد.
إن هذا القرآن أنزل ليكون منهج حياة هي خير حياة وأسعدها، ومرشدا إلى سبيل هو أقوم سبيل وأنجحه، يهذب النفوس ويزكيها، ويقوم الأخلاق ويعليها، يقود من اتبعه إلى سعادة الدارين، وينجيه من شقاوة الحياتين {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}[طه:123، 124].
كتاب ربنا بين أيدينا، نزهه ربنا عن الخطأ والزلل، وجعله فصلا في كل زمان ومكان {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}[فصلت:42]، فاتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم، بما فصل فيه من الأحكام وفرق بين الحلال والحرام، فهو الضياء والنور، وبه النجاة من الغرور، وفيه شفاء لما في الصدور، من تمسك به فقد هدي، ومن عمل به فقد فاز. وجعل فيه الهداية لمن شاء من عباده المتقين {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}[البقرة:1، 2].
كفى بكتابكم يا قوم طبا .. .. لمن يشكو من الأمم السقاما
كتاب يمــلأ الدنيا حيــاة .. ..وينشر في جوانبــها السلاما
وعد الله بحفظه من عبث العابثين، وتحريف الغالين {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[الحجر:9]، وإن من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف.. استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته، مع القيام بآدابه وشروطه، والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة، والآداب الظاهرة.
مقاصد تنزيله
وإنما أراد الله من العباد بإنزال كتابه أن يأتمروا بأمره، وينتهوا بنهيه، ويصدقوا أخباره، ويوقنوا بما أخبر به من أمور الغيب، ويتخذوا من قصص الأمم الماضية المواعظ والعبر، لا ليتخذوه ظهريا، فيؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض، بل المقصود العمل به وفهم مراميه {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}[ص:29]، {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}[محمد:24].
ولما كان سلفنا الصالح يعملون بالقرآن ويقومون به علما وعملا، يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويقولون ءامنا به كل من عند ربنا أضحوا سادة العالم، ومنار الهداية للحيارى، فقادوا الناس به إلى ربهم وجنته.
العاصم من الفتن
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر الفتن أنه قيل له: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: [كتاب ربكم وسنة نبيكم].فاعتصموا - عباد الله - بالكتاب والسنة، وعليكم بما فيهما من الأوامر والنواهي، ولا تردوا كلام الله لتأويل المتأولين واتباعا لزيغ الزائغين.
فإذا قال الله سبحانه في النهي: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء}[المائدة:51] نقول سمعنا وأطعنا، وعلمنا أن ولاية غير الله مثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، قال سبحانه: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون}[العنكبوت:41].
وإذا قال سبحانه في الأمر: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}[المائدة:55]، نقول سمعنا وأطعنا.
وإذا قال سبحانه في الإخبار: {ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم * والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم}[محمد:7، 8]، قلنا اللهم آمنا وأيقنا وصدقنا، ولا مبدل لكلمات الله.
منهج حياة
القرآن منهج حياة، ودستور ونظام، شريعة الله إلى أهل الأرض، قضى ألا يحتكموا إلا إليه، وألا يؤمنوا إلا بما وافقه، إن الحاكمية لله وحده، فهو الحكم العدل {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}[المائدة:50].
فإلى كل من ينشدون السعادة ويرجون النجاة، هذا كتاب الله بين أيديكم كلامه ونوره ورحمته شفاؤه:
من أراد الهدى فبالقرآن: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا}[الإسراء:9].
ومن أراد الغنى فبالقرآن قال صلى الله عليه وسلم: [أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل؟!]. وهذا ـ والله ـ هو الربح والغنى عباد الله.
ومن أراد الشفاعة فبالقرآن قال صلى الله عليه وسلم: [يأتي القرآن شفيعا لأصحابه، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهم].
ومن أراد مضاعفة الأجور فبالقرآن قال صلى الله عليه وسلم: [من قرأ حرفا من كتاب الله كان له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف].
ومن أراد الشفاء ففي القرآن قال سبحانه: [قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد}[فصلت:44].
وبالجملة من أراد الخير كله ففي التمسك والعمل بالقرآن، ومن أراد الشر كله فبالإعراض عنه، {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا* قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}[طه:123-126].
فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. آمين.