العلامة مصطفى الأعظمي.. في ذمة الله

0 1588

فقدت الأمة الإسلامية علما من أعلامها، وأستاذا من أساتذتها، ومحدثا من كبار محدثيها في هذا العصر، وهو الشيخ المحقق والمحدث المدقق الشيخ محمد مصطفى الأعظمي، والذي توفي صبيحة يوم الأربعاء 2 ربيع الثاني 1439هـ ، 20 كانون الثاني (ديسمبر) 2017م، بالمملكة العربية السعودية.

والشيخ محمد مصطفى الأعظمي هو عالم هندي، وهو أحد اﻷعلام البارزين من شبه القارة الهندية، والذي قدم دراسات مهمة حول الحديث النبوي، لا سيما في مجال توثيق النص النبوي، ورد بعلم متين وبصيرة الشبهات التي أثارها أعداء اﻹسلام حوله. واشتهر بدراسة الحديث النبوي الشريف، وبتدقيقه وتمحيصه، وكذلك اشتهر بالنقد والتدقيق والتمحيص لبعض مؤلفات المستشرقين الطاعنين على الإسلام والحضارة الإسلامية، من شاكلة: جولد تسهير، ومرجليوث، وجوزيف شاخت.

مولده ونشأته
ولد الشيخ الأعظمي بشمال الهند عام 1350هـ، الموافقة لسنة1932م.. ودرس في دار العلوم ديوبند، وتخرج منها حوالي سنة 1372هـ، وقد درس على يد جماعة من العلماء الكبار منهم العلامة المحدث حسين أحمد المدني.
وفي السنة نفسها التي تخرج فيها من ديوبند، التحق بالأزهر في مصر لتقوية لغته العربية، كما التحق بقسـم التخصص التدريسي بكلية اللغة العربية، وحصل على شهـادة العالمية مـع إجازة التدريس. ثم رجع إلى الهند سنة 1374هـ/1955م.

عمل الشيخ في دولة قطر مدرسا للغة العربية لغير الناطقين بها، ثم أصبح الأمين على دار الكتب القطرية، وكانت تسمى: المكتبة العامة.

وفي سنة 1386هـ/1966م نال درجة الدكتوراه من جامعة كمبردج البريطانية في بحث عن الأدبيات المبكرة للحديث. ثم قدم إلى المملكة العربية السعودية، ودرس في كلية الشريعة بمكة المكرمة، ثم انتقل إلى كلية الشريعة بالرياض مدرسا لمادة مصطلح الحديث في قسم الثقافة الإسلامية.

من أعماله العلمية:
تميز الشيخ رحمه الله بتوسعه في العلوم وتبحره، وتعددت مجالات خدمته للعلم ومؤلفاته، وتنوعت أبوابها فمن ذلك:
ـ تحقيق عدد من كتب السنة ومنها: صحيح ابن خزيمة، وسنن ابن ماجه، العلل لعلي ابن المديني، التمييز للإمام مسلم، مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم لعروة بن الزبير، موطأ مالك رواية الليثي، ومعه مقدمة مهمة جدا في الرد على المستشرقين والمشككين بالسنة النبوية.
- دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه.
- الكمبيوتر واستعماله في خدمة السنة النبوية.
- منهج النقد عند المحدثين: نشأته وتاريخه.
- كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.
- تاريخ تدوين القرآن، حاز به جائزة الملك فيصل العالمية، فتبرع بها لطلبة العلم النابهين الفقراء.
رحمه الله وجزاه عن السنة النبوية خير الجزاء..

وقد ترجمت العديد من أعمال البروفيسور الأعظمي إلى عدة لغات. كما أنشأ - بعد سنوات من العمل الدؤوب- مركزا لخدمة السنة على شبكة الإنترنت، وقام بتخزين عدد من كتب السنة فيه.

وقد منحته المملكة العربية السعودية جنسيتها، تقديرا لإنجازاته المتميزة، إلي جانب نيله جائزة الملك فيصل العالمية. وقد تبرع بها لطلبة العلم النابهين الفقراء كما سبق.

دفاع عن الإسلام
أمضى حياته منافحا عن الاسلام، رادا عادية المستشرقين على القرآن والسنة، فأضاف للمكتبة الإسلامية إضافات جليلة، وأخرس ألسنة المعتدين والمشككين.

‏درس الأعظمي ودرس في أعرق الجامعات العالمية – هارفارد، وبرينستون وغيرهما - وقد عمل البروفيسور الأعظمي باحثا زائرا في جامعة متشجان في آن آربر، وجامعة كولورادو في بولدر، وأستاذ كرسي الملك فيصل الزائر للدراسات الإسلامية في جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية، وزميلا زائرا في كلية سنت كروس في جامعة أوكسفورد بالمملكة المتحدة، وأستاذا فخريا في جامعة ويلز. وقد أخذ علوم الشريعة بعمق وتأصيل ثم نازل العقل الغربي المشكك في الوحي بطريقته التي يفهمها، وأقام الحجة على صحة نسبة القرآن والسنة، وأصالة وتفرد مناهج نقل ونقد العلوم عند المسلمين.

ومن عظمة هذا الدين، ومن الأدلة على عالميته وأنه للناس كافة، أن ينتمي إليه ويدافع عنه العربي والأعجمي والأبيض والأسود والأحمر، ولعل من أميز المدافعين عن الإسلام والناشرين له والبارعين في علومه، علماء شبه القارة الهندية، والأعظمي أحدهم بل من مميزيهم رحمه الله.

من مميزات الشيخ
‏تميز الشيخ رحمه الله بعدة أمور منها:
‏١) إتقانه لأكثر من لغة قراءة وكتابة وتأليفا وتدريسا.
‏٢) دراسته الشرعية العميقة قم دراسته وتخرجه وتدريسه في أشهر الجامعات العالمي.
‏٣) حسن اختياره الحقول التي يبحث فيها.
‏٤) إضافة دراسات جادة وعميقة بأسلوب علمي رصين للمكتبتين الاسلامية والغربية.

مؤلفات
‏من أشهر كتب الدكتور الأعظمي:
‏١- تاريخ النص القرآني "the history of the quranic text” وهو كتاب عظيم ولم يترجم - حسب علمي إلى الآن ولعل الله يسهل ذلك قريبا.

‏٢- دراسات في الحديث النبوي " studies in early Hadith literature” وهو أطروحته الدكتوراه وقد ترجم ومقدمة الكتاب رائعة جدا وعميقة.

‏٣- الرد على المستشرق شاخت في كلامه عن السنة النبوية "On Schacht's origins of Muhammadan Jurisprudence"
‏وله أعمال أخرى عظيمة.

وفاته:
وفي صبيحة الأربعاء 2 ربيع الثاني 1439هـ ، 20 ديسمبر 2017م، وبعد جهاد طويل ودفاع عن القرآن والسنة، ومنافحة عن دين الله، ورد على الطاعنين والمشككين، وبعد عمر قارب التسعين سنة، ودع الشيخ عالم الدنيا، وانتقل إلى جوار ربه، بعد أن أدى ما عليه من علم وعمل ودعوة، وبعد أن سجل اسمه في سجلات المنافحين عن دين رب العالمين.
رحل بعد أثبت أن هذه الأمة لم تزل ولن تزال ولادة لا ينقطع خيرها، إن انطفأت شمعة في المشرق أنارت أخريات في المغرب، وهكذا حتى يتم الله نوره كما وعد (والله متم نوره ولو كره المشركون)..
فرحم الله الشيخ رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة