- اسم الكاتب:د. عبد الكريم بكار
- التصنيف:ثقافة و فكر
ما هو موقعنا الحضاري بين الأمم ؟
بالمجمل وفي كافة جوانب الحياة لا نعد بين الدول المتقدمة، فالتقييم العام لوضعنا الحضاري أننا أمم متخلفة.
ما هي مظاهر تخلفنا الحضاري ؟
نعاني من نوعين من التخلف :
1- تخلف عن المنهج الرباني الأقوم الذي نؤمن به: نحن لدينا رؤى ومبادئ وأحكام، ولكننا لا نلتزم بها على النحو الصحيح، فتوجد فجوة بين ما نعمله وما نعتقده، وهذا النوع من التخلف تؤدي إلى كثير من التخلف عن الركب الحضاري
2- تخلف عن الركب الحضاري.
الأمة المتقدمة هي التي تلتزم في شوارعها بنفس القيم التي تعلمها لأبنائها في المدارس.
هل عبارة: ( لن يصلح حال الأمة إلا بما صلح به أولها ) صحيحة؟
هذه العبارة على مستوى المبادئ والقيم صحيحة، فالإسلام قام على هذه الأسس والمبادئ التي بدونها لن نتقدم، لكن دائما المبادئ والرؤى تحتاج إلى فضاء تعمل به ومنظومات تخدمها، فإغاثة الملهوف مثلا لا تصبح قيمة مفعلة في حياتنا إلا إذا أوجدنا نظاما متكاملا لإغاثة الملهوف، وإلا فإن إغاثة الملهوف ستبقى عبارة عن شعار.
فالعبارة صحيحة على مستوى المبادئ والرؤى ولكنها على مستوى الأدوات والنظم ليست دقيقة، فما نحتاجه اليوم على مستوى الأدوات والنظم أعقد بكثير مما كان يحتاجه الناس في القرن الأول.
من أين نبدأ بالنهضة؟
الأصل إن استطعنا العمل على أكثر من مجال بشكل متواز فهذا أفضل، أما إن تعذر الجمع فالجانب التعليمي يبقى هو الأهم، لأن النهوض بأي جانب من جوانب الحياة يحتاج إلى كوادر قيادية، وهي دائما نتاج تعليم مميز يخرج قادة لمؤسسات الدولة، القاسم المشترك بين الدول الناهضة حديثا هو الاهتمام بالجانب التعليمي، وهو بدوره يحتاج إلى حد أدنى من الحرية.
هل تسمح الأنظمة الحاكمة (الوظيفية) بالبدء بالنهضة؟
هذا الكلام صحيح جزئيا عند التحليل ولكن لا يجوز استحضاره عند التغيير، لأننا إن انطلقنا من أن هذه الأنظمة وظيفية فهذا يعني أن التغيير هو بمثابة محاربة للعالم، وبما أننا غير قادرين على محاربة العالم فهذا يعني أنه لا تغيير!
لكن عندما ننطلق من قوله تعالى: (قل هو من عند أنفسكم) و(وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) فإننا نأخذ التحليل بعين الاعتبار ولكن لا نبني عليه بشكل مطلق.
فلا يوجد بديل لمحاولة التغيير إلا الاستكانة إلى ما لا نهاية، فأوربا الشرقية وأمريكا الجنوبية عانت كثيرا من الاستبداد المدعوم من قوى خارجية، ولكنها لم ترضخ للأمر الواقع، فالشعوب إن استطاعت حسم أمرها، وتحلت بقدر من الحكمة، فستتلقى دعما من بعض الشعوب في النهاية والأنظمة لحسابات مصلحية تكون متضاربة أحيانا.
الأمة الإسلامية لن تتقدم في ظل الاستبداد، وهذا هو السبب الذي أدى لانهيار الحضارة الإسلامية.
ما دور قراءة التاريخ في صناعة النهوض؟
قراءة التاريخ مهمة جدا في قراءة كل العلوم، ونحن لدينا تفريط شديد في تدريس تاريخ العلوم، فلا توجد عندنا جامعة تدرس هذا النوع من العلوم.
على المستوى العام أي قضية لا يمكننا فهم حقيقتها إلا إذا فهمنا تاريخها، فالذي يريد أن يفهم بنية التخلف الذي نعاني منه فعليه أن يدرس تاريخ التخلف، وخصوصا في دول كانت تصنف ضمن الدول المتقدمة والتي تعيش في رغد من العيش ثم انتكست.
فالأمة الإسلامية كانت لها الريادة على مستوى العالم طيلة 10 قرون، فما الذي جعلها تصل إلى هذه الحالة التي تعاني منها الآن؟ هذا يستحق الدراسة بعناية لنتلمس أسباب تخلفنا.
قراءة التاريخ تحتاج إلى فصل من المجالات، فكل تجربة تاريخية فيها عدة مساقات، ممكن لبعضها أن ينشط ويتقدم في حين أن بعضها يكون في طور الانهيار، مثلا: القرن الرابع الهجري من حيث الازدهار العمراني كان في القمة، بينما كانت الدولة العباسية على وشك التفكك، فالمساق العمراني كان مزدهرا، بينما المجال السياسي يعاني من التراجع، فقراءة التاريخ تحتاج إلى فصل بين المجالات، ثم ندرس تأثير المجالات ببعضها البعض.
ما هو الموقف المعتدل من الحضارة الغربية؟
في ظل العولمة والتواصل الحضاري الهائل لم يعد الرفض ممكنا للحضارة الغربية إلا من باب المزاودة.
الموقف المبدئي أن الحضارة الغربية لها وجهة ثقافية تختلف عن وجهتنا، يجب علينا المحافظة على رؤيتنا وهويتنا، نأخذ من الحضارة الغربية الأساليب والوسائل، ولكن هذا ليس دائما متاحا ففي ظروف معينة نجد أنفسنا مضطرين أن نأخذ ما يعجبنا وما لا يعجبنا، ومن يحسنون الانتقاء قلة من الناس لا تصل إلى 10 %.
التفوق الحضاري للآخرين سيبقى يلحق الأذى بنا حتى نستطيع أن نصل إلى وضعية ننتج فيها الحضارة، ونستطيع أن ننتج ما يتناسب مع قيمنا ومبادئنا.
الانقياد للحضارة الغربية مرفوض لاختلاف وجهات النظر، لأن الحضارة الغربية مادية دنيوية فيها بعض القيم، أما نحن فشعارنا اللهم لا عيش إلا الآخرة، وأن الدنيا مزرعة الآخرة، فوجهتنا العقدية والفكري مختلفة، وحتى نجسدها على الأرض نحتاج أن يكون عندنا نوع من الاستقلال على مستوى الإنتاج الحضاري.
من الذين يخططون لنهضة الأمة؟
المفكرون يرسمون الخطة العامة والمسارات، المتخصصون ينحتون في تلك المسارات، مثلا المفكر يقول: "التعليم أولا"، من الذي سوف ينفذ الخطة التعليمية؟ ليس المفكر وإنما المتخصصون المعلمون والتربويون.
مهمة المفكر دائما رسم المسارات العامة، وترتيب الأولويات الحضارية، الدلالة على العلل الحضارية التي تعاني منها الأمة، وكشف أوجه الترابط بين المسارات الحضارية وانعكاسات بعضها على بعض، القوة التي ستبدع وفق هذه الأولويات والمسارات هم المتخصصون.
ما تأثير المثالية التي نؤمن بها على تقييم الواقع والنهوض به؟
المثالية تضاد الواقعية، حتى نفهم الواقع علينا أن نعيش الواقع، أما تقييم الواقع بنظرة أيديولوجية بعيدة عن الواقع فلن تصل بنا إلى نتائج صحيحة.
ما مدى صحة تقييمنا للواقع؟
تقيمنا للواقع اجتهاديا بحسب المعايير المستخدمة والجوانب التي ينظر فيها، فالنتائج في الغالب ستكون متفاوتة، وهي مقاربة ومحاولة للوصول للتقييم الصحيح.
في المجمل لو قارنا منتجاتنا الحضارية، والواقع الأخلاقي لدينا، وواقع الأسرة لدينا مع واقع الأسرة في الدول الأخرى ستظهر لنا الفروق.
نحن إلى الآن نقطة التفوق الرئيسية هي الأسرة، التماسك والترابط الأسري لدينا أفضل بكثير مما هو موجود في دول العالم، وهي نقطة تفوق في الحضارة الإسلامية وفي واقع المسلمين اليوم.
لكن عندما ننظر إلى الواقع السياسي والاقتصادي والتعليمي والتقني.. سنجد لدينا ضعفا كبيرا في هذه المجالات.
التغيير عمل استراتيجي يحتاج صبرا ووقتا، ولكن علينا الحذر من التشاؤم ومن اليأس، نحن واثقون أن الله مع المظلوم ضد الظالم ولكن الله يمتحن عباده.
نحن بحاجة إلى قدر كبير من التفاؤل، وإلى قدر كبير من الروح العملية، وإلى قدر كبير من التعلم الجيد.
(كن مشروعا، أو أسس مشروعا، أو ساند مشروعا).