الناشئة.. والتربية الإنترنتية

0 877
  • اسم الكاتب:وفاء الدباس

  • التصنيف:الإعلام

هل بدا لك يوما أيها المربي أن أحد أبنائك الرائعين ربما يقع في براثن شبكة العنكبوت؟

أعلم أنك تتساءل دوما فيما بينك وبين نفسك: ترى هل قمت بالواجب في حمايتهم دينيا وفكريا؟ وهل أنا مرب ناجح في عصر الثورة الفضائية؟!

في زمن الغزو الفضائي نحتاج لأن ننبذ السلبية، وأن نكون أكثر عزما وهمة، ونفتح أعيننا جيدا؛ لنرى ما يدور حولنا، قبل أن يخترق أبناؤنا دينيا وخلقيا وثقافيا.

يجب أن نفعل شيئا، وألا نقف مكتوفي الأيدي؛ فمؤشر الخطر قد بدأ يدق ناقوسه، والمتأمل في الواقع يدرك ذلك جيدا.

وهذه دراسة تربوية تختص بعلاقة الناشئ بالإنترنت، ومستوى رقابة الأسر لأبنائهم، قد أجريتها منذ زمن قريب، فاستخلصت من نتائجها أن نسبة كبيرة لا يستهان بها من الأسر يتركون لأبنائهم الحبل على الغارب، ويثقون بهم ثقة عمياء! وهذا مؤسف جدا. فلماذا نغمض أعيننا عنهم، ونجعلهم ينزوون بعيدا عنا في داخل تلك الشبكة المليئة بالمتاهات ودهاليز الضياع؟!

هناك أيضا قضية مهمة لا ينبغي لنا أن نغفلها، وهي أن الوسط الإنترنتي يفتقد للتربويين المتخصصين في شؤون المراهقين، مع كونه يعتبر من أهم المحاضن التربوية في عصرنا الحاضر.

لذا؛ يفترض بنا أن نلتفت لهذا الأمر، ونوليه شيئا من الاهتمام، فمن حق هذا النشء علينا أن نرعاه فكريا وروحيا، ونرتقي به إلى مزيد من الوعي والإدراك لما يدور حوله ويحاك.

هذا الجيل الذي أغبطهم حينا، وأرثي لهم حينا آخر؛ أغبطهم على هذا الكم الهائل من العلوم والأفكار والمعارف التي تتدفق بين أيديهم بعد براكين الثورة الفضائية، وأرثي لهم حين أرى كثرة من اكتوى منهم بحمم هذا البركان المتناثرة من الفتن والشهوات.

ولا يخفى على عاقل أن مجتمع الإنترنت قد بات يربي كما يربي المجتمع الحقيقي، وأصبح دور هذا المحضن - الذي يناسبه أن نسميه بمحضن: التربية الإنترنتية - يفوق دور الأسرة في بعض الأحيان.

فالناشئ قد يشعر بأنه على الهامش في مجتمعه الحقيقي، ثم يجد من يحتويه في مجتمع الإنترنت، فيقبل عليه بحماس وعواطف جياشة، ويقضي أغلب يومه في الإبحار عبر محيطات الإنترنت الشاسعة، فإن وجد الشاطئ وبر الأمان، رسا بقاربه عليه، وظل يبحر قريبا منه، ثم لا يلبث أن يعود إليه، وإن لم يجد هذا الشاطئ، تاه في البحار، ولربما عصفت به الرياح، وتلاطمت به الأمواج، وغرق في قعر البحر.

فالمجتمع الإنترنتي بحاجة ماسة إلى كثير من الشواطئ الآمنة التي يشرف عليها مجموعة من الكوادر التربوية المؤهلة.

وأيضا نحتاج إلى ضوابط وأفكار بناءة؛ كي نستغل هذه التربية الإنترنتية استغلالا إيجابيا، وندعم النشء الصالح، ونأخذ بيد الفاسد، ونركز على قضية التربية الذاتية، ونغرسها في قلب كل ناشئ؛ فهي طوق النجاة بعد الله.

وأحدد النشء؛ لأني أجد هناك بعض الفراغ في الخطاب الفكري السليم في عالم الإنترنت، فهناك الكثير ممن اهتم بالتوجيه الفكري الجاد للكبار، وهناك من اعتنى بتوجيه الخطاب الفكري الترفيهي الموجه لعقول الأطفال، لكن للأسف لم يحظ النشء في مرحلة بداية المراهقة إلا بالقليل، مع أنه في أمس الحاجة إلى خطاب يمزج بين هذا وذاك، وأقصد بالمزج في الخطاب: أن يكون ما بين الترفيهي والجاد، بما يناسب ميولهم وطريقة تفكيرهم في تلك المرحلة، وهذا سيساعدهم في تجاوز تقلبات سن المراهقة، التي تتسم بكثرة التغيرات النفسية والسيكولوجية، وهذه ثغرة لا بد وأن تسد من قبل المصلحين في عالم الإنترنت والثورة الفضائية عموما.

ومن المعلوم أن هذه المرحلة العمرية تعتبر مرحلة تأسيس للفكر وتحديد للوجهة، فالناشئ حين يجد نفسه بين مفترق الطرق، فإنه بالتأكيد سيعاني من الحيرة والتردد، والصراع النفسي والارتباك، فأي طريق يسلك؟ ومع أي تيار يسبح؟

فهل من الممكن أن نستغل هذا الوسط الإنترنتي استغلالا إيجابيا لنأخذ بأيدي النشء؛ كي نبني بهم جيلا واعدا، يغير منحى المسار لمستقبل الأمة الإسلامية إلى الأفضل.

ومن طرق هذا الاستغلال الإيجابي:
أن يقوم بعض المربين بإنشاء مواقع ومنتديات تهدف إلى مخاطبة عقول هذه الفئة العمرية بما يوافق ميولهم وأفكارهم، ويكون ذلك تحت إشرافهم، فهذه الشبكة تعتبر حاليا من أهم وسائل التربية الحديثة التي تختصر علينا الكثير من الجهد والعناء والأموال، ولن يكلفنا ذلك شيئا، كل ما في الأمر هو أن نلتفت إلى هذا النشء.

وأقترح على المنتديات الإسلامية الرائدة بأن تنشئ - لهذه الفئة العمرية الحائرة - منتدى فرعيا؛ ليعتني بهم ويوليهم شيئا من الاهتمام والرعاية الفكرية، والأمر يسير ولا يكلف إلا القليل من الوقت والجهد، فهو كالبذرة حينما تثمر شجرة يانعة وارفة الظلال.

وحينما نسترعي انتباه النشء إلى الجانب المشرق من هذه الشبكة العنكبوتية، ونعمل بإخلاص على إبرازه؛ ليغطي على جانبها المظلم، فحتما ستتحول هذه الشبكة من نقمة إلى نعمة عظيمة تستحق الشكر.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة