- اسم الكاتب:هند مصطفى
- التصنيف:الإعلام
تأخذ وسائل الإعلام - بما فيها من وسائل بصرية كالتلفزيون والصحافة والكتاب والمسرح والسينما، ووسائل سمعية كالخطابة والإذاعة والشريط وشبكات الإنترنت وغيرها - مكانة كبيرة في حياة المجتمعات المعاصرة، حيث ينتظر أن يكون للإعلام أثر فعال في بناء المفاهيم وغرس القيم، ومواجهة المشكلات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الناس في واقعهم، وهذا يعكس الحضور الجماهيري الكبير لوسائل الاتصال، وأثرها الواضح في الرأي العام، ومصاحبتها لحياة الناس اليومية، حيث يتفاوت تأثيرها في شرائح المجتمع تفاوتا واضحا.
ومع هذا الأثر الكبير والفعال لوسائل الإعلام في الجانب السلبي، يبقى أثر الإعلام الإسلامي - وهو قليل - محمودا في المجتمعات الإسلامية، حيث يهدف بشكل عام إلى ما يؤدي إلى الخير للإنسانية، ويذكر هذا ضمن هدفين:
1- دعم الإسلام، بالدفاع عنه، وتقديمه واضحا ناصعا لجمهور الناس، خاصة بعد قيام أعداء الدين بمحاولات عديدة لعزله عن المجتمع، أو تحديده بحيث لا يتجاوز حدود المسجد، أو عرضه بصورة غير صحيحة على المسلم وغير المسلم.
2- تعميم الإسلام، بمعنى جعله في متناول الجميع، والدعوة إليه بشكل مستمر، في كل كلمة مرئية أو مسموعة أو مكتوبة، وإبراز القدوات والمثل الإسلامية عبر وسائل الإعلام.
وتختلف النظرة إلى طبيعة السلوك الإنساني وكيفية حل مشكلاته بين النظم المعاصرة، حيث يتميز النظام الإعلامي الإسلامي بأنه (يعتبر المشكلات الإنسانية انعكاس لما بالنفس الإنسانية من المفاهيم الخاطئة، فإذا تغير ما بنفس الإنسان سواء كان بجهده أم بجهد غيره؛ فإن سلوكه لا محالة يتغير، لذا فإن الإعلام الإسلامي ينظر لعلاج المشكلات من خلال النفس الإنسانية، وليس من خارجها، وهو مع ذلك يرتبط بخصوصية الأمة الإسلامية في نظرتها إلى طبيعة الإنسان وطبيعة الأحداث والوقائع، وطبيعة الحياة الاجتماعية، كما يرتبط بالمنهج الإسلامي الذي يحكم حركة الإنسان في الحياة ويحكم عليها).
وقد بذل أعداء الإسلام جهودا كبيرة للسيطرة على وسائل الإعلام منذ وقت مبكر، حرصا منهم على تغريب الفكر الإسلامي، وتذويب الهوية الإسلامية وطمسها، وهدم العادات الأصيلة وزعزعة القيم الفاضلة، حيث إن كثيرا من الظواهر التي تبدو بالنظرة السطحية العاجلة قليلة الخطر، بيد أنها ذات دلالات عميقة ونتائج خطيرة، فعلى سبيل المثال يشير نابليون إلى أثر المسرح وأهميته في تطوير المجتمع المصري، فيكتب في رسالة لأحد قادته: (لقد عولت على أن أرسل لك فرقة الكوميدي فرانسيز، وتلك فكرة أحرص عليها، أولا لتسلية جيوشنا، وثانيا: لتغيير عوائد هذه البلاد وإثارة عواطفها).
وقد قامت القوى المعادية للإسلام باستغلال القوة التأثيرية لوسائل الإعلام، وحاجة الناس إليها - لا سيما المرئية منها لما تتميز به من جذب وإثارة - وتعلقهم بها وتأثرهم بما تمليه وتبثه من أفكار على غفلة كثير منهم، حيث يتعامل بعضهم مع وسائل الإعلام على أنها مجرد أداة للترفيه والاستجمام ليس أكثر، أو مصدر للأخبار فقط، غير أن هذه النظرة ساذجة إلى حد كبير، إذ ليس هناك ترفيه بريء، ولا أخبار محايدة، فكل ما يسمعه الفرد أو يقرؤه لا يخلو من هدف، أو بتعبير آخر: أنه محمل بالقيم، وهذا يعني أن الرسائل الإعلامية سواء كانت في شكل خبر أو دعاية أو فكاهة أو برنامج علمي، فهي تسعى إلى نشر قيم معينة وإزالة قيم أخرى، وهذه هي بالضبط التنشئة الاجتماعية في أبسط صورها).
ومما زاد من خطر الهجمة الإعلامية ظهور الفضائيات وشبكات الإنترنت، وتوافرها بسهولة ورخص للمستهلكين، من حيث صعوبة الانتقاء من جهة، واستحالة الانعزال السلبي من جهة أخرى، فأصبح تأثيره يصل إلى كل متلق أيا كانت ثقافته ومعرفته، ليسهم في تكوين الشخصية الإنسانية العالمية التي يجتمع في فكرها وسلوكها ما تشتت بين الثقافات، ولقد كان لهذا الوضع آثاره السيئة في تشويه الشخصية الإسلامية، لا سيما شخصية الناشئة من شباب الأمة الإسلامية، فقد حازوا النصيب الأكبر من التأثير السلبي للإعلام المعاصر، ولم تكن الفتاة المسلمة بمعزل عن هذا الوسط الثقافي المتفاعل، والتأثير القوي، فخاضت فيما خاض فيه المجتمع، وتأثرت بما تأثر به، حتى غدت فئات كبيرة من الفتيات المسلمات صورة مكررة للمرأة في النموذج الغربي ، نتيجة لما يبرزه الإعلام أمامها من تلك النماذج السيئة كقدوات لامعة، كما (تعتبر مصادر الإعلام بصفة عامة منابع متدفقة بالمعرفة في حياة المراهق، من حيث إنها تعرضه لما يساعده في تقمص الأدوار الاجتماعية العديدة التي ينتظر منه أن ينهض بها).
ويزيد أثر الإعلام السلبي على المرأة المسلمة، أن الأجهزة الإعلامية بأنواعها تتوخى أكثر الطرق فاعلية لتغريب المرأة وإشغالها عن مهمتها الأساس، خاصة وأنها تخاطب المرأة الأمية والمتعلمة في آن واحد، فقد (أصبح العالم اليوم يشهد حربا إعلامية بين دول تمتلك كافة الإمكانات، ودول لا تمتلك شيئا، الأمر الذي يضع على عاتق التربية مهمة إدراك حقيقة ما تتميز به البرامج الأخرى من جذب وتشويق، والعمل على مواجهتها بشكل فاعل، يسهم في ترسيخ قيمنا الإسلامية، والمحافظة على هوية الأفراد في المجتمع المسلم، وخاصة المرأة التي يتوجه لها الإعلام بكل السبل الممكنة من أجل إلهائها عن حقيقة رسالتها في الحياة).
ولقد ظهرت بعض السلوكيات الاجتماعية في المجتمع، والتي كانت من قبل أمرا مستنكرا، ثم تسللت على استحياء إلى نسيج ثقافة هذا المجتمع المسلم، ومع تزايد وسائل الإعلام في حياة الناس، وما يبثه من الرسائل الإعلامية المشحونة بقيم دخيلة وبكثافة شديدة؛ أصبحت هذه الظواهر الغريبة تتغلغل في تشكيل المجتمع الثقافي لدى بعض الشرائح الاجتماعية، وأصبحت جزءا من ثقافة المجتمع لا تستهجن أو تستنكر، ومع مرور الوقت ومع سيل الرسائل الإعلامية المروجة لهذه القيم ستصبح بل أصبحت ضمن التكوين الثقافي للمجتمع، ويؤكد هذا الأمر نتائج الدراسة التي أجريت على طالبات المرحلة الثانوية، والتي أسفرت عن وجود علاقة بين استقبال البث المباشر، وبين الالتزام بالقيم العقدية والأخلاقية والاجتماعية، حيث ثبت أن الطالبات غير المستقبلات للبث المباشر أكثر التزاما بهذه القيم من زميلاتهن المستقبلات للبث، كما أكدت دراسة أخرى وجود العديد من السلبيات التي يتركها البث التلفزيوني الفضائي على أفراد المجتمع، وعلى رأسها أن البث الفضائي وسيلة لمحاربة الإسلام وأنها تغري جميع أفراد العائلة بمشاهدتها باستمرار، وذلك كما يراها أفراد العينة وهم من طلبة الجامعة.
أما العلاقة بين التعرض لوسائل الإعلام ومشاهدة القنوات واستخدام وسائل الاتصال الحديثة، وبين تقبل الفتيات للقيم الحديثة، فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن هذا يجعل الفتاة عرضة أكثر للمؤثرات المبثوثة من خلال وسائل الإعلام، حيث أثر ذلك على بعض القيم، ومنها - مثلا - القيم الاجتماعية المرتبطة بالحياة الأسرية، كالصفات التي تحبذ الفتاة السعودية توفرها في زوج المستقبل، وعلى العلاقات بين الأقرباء، وعلى سيادة رب الأسرة، حيث أجاب 35.6% من اللواتي يشاهدن القنوات برفض مبدأ سيادة رب الأسرة، في مقابل نسبة 25.3% ممن لا يشاهدن القنوات.
وفي ضوء ما سبق يتضح أثر الإعلام في سلوك طالبات المرحلة الثانوية، الأمر الذي يتطلب التحصين الإيماني والأخلاقي لحماية الفتاة المسلمة من أثر وسائله، حيث نشرت جريدة المدينة أن سبب الوقوع في الانحرافات الخلقية عند عدد من الشباب المراهق الذين أودعوا دور رعاية جنوح الأحداث، كان متابعة البرامج المثيرة الفاضحة التي تبثها بعض القنوات الأوروبية.