وترى الجبال تحسبها جامدة

0 1084

من الآيات الكونية المتضمنة لحقيقة علمية، لم تكن معروفة من قبل البشر في العصر الذي نزل فيه القرآن، ولم يتمكن البشر من كشفها إلا بعد مرور ما يزيد على ألف عام من نزول القرآن الكريم قوله سبحانه: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون} (النمل88) فقد أخبرت هذه الآية بحقيقة علمية بالغة الأهمية، لا يمكن للبشر أن يكتشفوها بحواسهم المجردة، بل يحتاج إثباتها إلى طرق غير مباشرة.

ونستبق القول هنا بما ذكره المفسرون المتقدمون في المراد من الآية؛ فالذي قاله جمهورهم: إن الآية حكت حادثا يحصل يوم ينفخ في الصور، فجعلوا قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة} عطفا على قوله سبحانه: {ويوم ينفخ في الصور} (النمل:87) أي: ويوم ترى الجبال تحسبها جامدة، إلخ. وجعلوا الرؤية بصرية، و{مر السحاب} تشبيها لتنقلها بمر السحاب في السرعة، وجعلوا اختيار التشبيه بـ (مرور السحاب) مقصودا منه إدماج تشبيه حال الجبال حين ذلك المرور بحال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها، فيكون من معنى قوله سبحانه: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} (القارعة:5)، وجعلوا الخطاب في قوله تعالى: {وترى} لغير معين؛ ليعم كل من يرى، وجعلوا معنى هذه الآية في معنى قوله تعالى: {ويوم نسير الجبال} (الكهف:47). فلما أشكل أن هذه الأحوال تكون قبل يوم الحشر؛ لأن الآيات التي ورد فيها ذكر (دك الجبال) و(نسفها) تشير إلى أن ذلك في انتهاء الدنيا عند (القارعة) وهي (النفخة الأولى) أو قبيلها، فأجابوا بأنها تندك حينئذ، ثم تسير يوم الحشر، لقوله: {فقل ينسفها ربي نسفا} (طه:105) إلى أن قال: {يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له} (طه:108) لأن الداعي هو إسرافيل.

وقال بعض المفسرين: هذا مما يكون عند النفخة الأولى، وكذلك جميع الآيات التي ذكر فيها (نسف الجبال) و(دكها) و(بسها). والقائلون بهذا لم يجعلوا عطف {وترى الجبال} على {ينفخ في الصور} (النمل:87) حتى يتسلط عليه عمل لفظ (يوم) بل جعلوه من عطف الجملة على الجملة، و(الواو) لا تقتضي ترتيب المعطوف بها مع المعطوف عليه، فهو عطف عبرة على عبرة، وإن كانت المذكورة أولا حاصلة ثانيا.

وجعل كلا الفريقين قوله عز وجل: {صنع الله} وما بعده مرادا به تهويل قدرة الله تعالى، وأن (النفخ في الصور) و(تسيير الجبال) من عجيب قدرته، فكأنهم تأولوا (الصنع) بمعنى مطلق الفعل من غير التزام ما في مادة (صنع) من معنى التركيب والإيجاد، فإن (الإتقان) إجادة، والهدم لا يحتاج إلى إتقان.

وقد عقب ابن عاشور على قول المفسرين بقوله: "وليس في كلام المفسرين شفاء لبيان اختصاص هذه الآية بأن الرائي (يحسب الجبال جامدة) ولا بيان وجه تشبيه سيرها (بسير السحاب) ولا توجيه التذييل بقوله تعالى: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} فلذلك كان لهذه الآية وضع دقيق، ومعنى بالتأمل خليق؛ فوضعها أنها وقعت موقع الجملة المعترضة بين المجمل وبيانه من قوله سبحانه: {ففزع من في السماوات ومن في الأرض} (النمل:87) إلى قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون} (النمل:89) بأن يكون من تخلل دليل على دقيق صنع الله تعالى في أثناء الإنذار والوعيد إدماجا وجمعا بين استدعاء للنظر، وبين الزواجر والنذر، كما صنع في جملة {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه} (النمل:86).

أو هي معطوفة على جملة {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه} النمل:86)، وجملة {ويوم ينفخ في الصور} (النمل:87) معترضة بينهما؛ لمناسبة ما في الجملة المعطوف عليها من الإيماء إلى تمثيل الحياة بعد الموت، ولكن هذا استدعاء لأهل العلم والحكمة؛ لتتوجه أنظارهم إلى ما في هذا الكون من دقائق الحكمة، وبديع الصنعة. وهذا من العلم الذي أودع في القرآن؛ ليكون معجزة من الجانب العلمي يدركها العلماء، كما كان معجزة للبلغاء من جانبه النظمي.

فإن الناس كانوا يحسبون أن الشمس تدور حول الأرض، فينشأ من دورانها نظام الليل والنهار، ويحسبون الأرض ساكنة. واهتدى بعض علماء اليونان إلى أن الأرض هي التي تدور حول الشمس في كل يوم وليلة دورة، تتكون منها ظلمة نصف الكرة الأرضي تقريبا، وضياء النصف الآخر، وذلك ما يعبر عنه بالليل والنهار، ولكنها كانت نظرية مرموقة بالنقد، وإنما كان الدال عليها قاعدة: أن الجرم الأصغر أولى بالتحرك حول الجرم الأكبر المرتبط بسيره، وهي علة إقناعية؛ لأن الحركة مختلفة المدارات، فلا مانع من أن يكون المتحرك الأصغر حول الأكبر في رأي العين وضبط الحساب، وما تحققت هذه النظرية إلا في القرن السابع عشر بواسطة عالم الرياضيات والفلك (غاليليو غاليلي) الإيطالي.

والقرآن يدمج ضمن دلائله الجمة، وعقب دليل تكوين النور والظلمة دليلا رمز إليه رمزا، فلم يتناوله المفسرون، وإنما ناط دلالة تحرك الأرض بتحرك الجبال منها؛ لأن الجبال هي الأجزاء الناتئة من الكرة الأرضية، فظهور تحرك ظلالها متناقصة قبل الزوال إلى منتهى نقصها، ثم آخذة في الزيادة بعد الزوال. ومشاهدة تحرك تلك الظلال تحركا يحاكي دبيب النمل أشد وضوحا للراصد، وكذلك ظهور تحرك قممها أمام قرص الشمس في الصباح والمساء أظهر مع كون الشمس ثابتة في مقرها بحسب أرصاد البروج والأنواء.

ولهذا الاعتبار غير أسلوب الاستدلال الذي في قوله تعالى: {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه} (النمل:86) فجعل هنا بطريق الخطاب {وترى الجبال}. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ تعليما له لمعنى يدرك هو كنهه؛ ولذلك خص الخطاب به، ولم يعمم كما عمم قوله: {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه} (النمل:86) في هذا الخطاب؛ وادخارا لعلماء أمته الذين يأتون في وقت ظهور هذه الحقيقة الدقيقة. فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على هذا السر العجيب في نظام الأرض، كما أطلع إبراهيم عليه السلام على كيفية إحياء الموتى، اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعلم ذلك في وقته، وائتمنه على علمه بهذا السر العجيب في قرآنه، ولم يأمره بتبليغه؛ إذ لا يتعلق بعلمه للناس مصلحة حينئذ، حتى إذا كشف العلم عنه، وجد أهل القرآن ذلك حقا في كتابه.

وهذا التأويل للآية هو الذي يساعد قوله: {وترى الجبال} المقتضي أن الرائي يراها في هيئة الساكنة، وقوله: {تحسبها جامدة} إذ هذا التأويل بمعنى الجامدة، هو الذي يناسب حالة الجبال؛ إذ لا تكون الجبال ذائبة". (انتهى كلام ابن عاشور).

والحقيقة الكبرى التي أوردتها هذه الآية هي ما يسميه العلماء اليوم بمبدأ نسبية الحركة، والذي مفاده أن الشيء الذي يبدو للمراقب ساكنا، قد لا يكون كذلك، بل قد يكون متحركا، والشيء الذي يبدو أنه يتحرك بسرعة بطيئة، قد تكون سرعته عالية جدا. وبغض النظر عن اختلاف علماء التفسير فيما إذا كانت هذه الآية تتحدث عن ظاهرة يعايشها البشر في حياتهم الدنيا، أما أنها من ظواهر يوم القيامة، فإن لها قصب السبق في تقرير حقيقة نسبية الحركة. فالآية تتحدث بكل وضوح عن ظاهرة عجيبة، وهي أن الناظر إلى الجبال تبدو له جامدة، أي: ساكنة، ولكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك، بل إنها في حركة دائبة.

وقبل بيان ما تحمله هذه الآية من دلالات، لا بد من شرح مبدأ نسبية الحركة، والذي اكتشفه غاليليو، ونشره في أحد كتبه في عام (1632م).

ينص مبدأ نسبية الحركة على أن سرعة أي جسم متحرك، لا يمكن قياسها بشكل مطلق، ولكن يتم تحديدها بشكل نسبي من خلال قياسها بالنسبة لمرجع إسناد قصوري. ومراجع الإسناد القصورية، هي مراجع إسناد يتحرك بعضها بالنسبة للبعض الآخر بسرعات منتظمة، وتتخذ قوانين الفيزياء فيها الشكل الرياضي نفسه، وذلك على عكس مراجع الإسناد غير القصورية، التي لا تتخذ فيها قوانين الفيزياء الشكل نفسه، بسبب وجود تسارع، أو عجلة بين هذه المراجع.

وبناء على مبدأ نسبية الحركة، فقد وضع غاليليو قانون لقياس السرعات النسبية في مراجع الإسناد القصورية المختلفة، وهو قانون جمع السرعات، والذي ينص على أن السرعة التي يقيسها مشاهد في مرجع إسناد معين لجسم متحرك في مرجع إسناد آخر تساوي سرعة الجسم بالنسبة لمرجع الإسناد الذي هو فيه مضافا إليها السرعة النسبية بين الإسنادين.

وقد وضح غاليليو مبدأ نسبية الحركة بما يجري من أحداث في داخل سفينة تتحرك بسرعة ثابتة في عرض البحر، ونحن نوضحها هنا على ما يجري من أحداث في داخل طائرة تطير في الجو بسرعة ثابتة تبلغ ألف كيلومتر في الساعة. إن ركاب الطائرة إذا ما كانت سرعتها ثابتة تماما، فإنهم يتصرفون على ظهرها كما لو كانوا على سطح الأرض، ولا يكادون يشعرون بأن الطائرة تسير بهم بهذه السرعة العالية، وكذلك فإنهم يرون أن الأجسام على سطح الطائرة تتصرف وفق القوانين الفيزيائية التي تحكم الأشياء على سطح الأرض. فإذا ما سقط شيء من أيديهم، فإنه يسقط على المكان الذي يقع تحت أيديهم مباشرة، وإذا ما رمى أحدهم بشيء ما في داخل الطائرة، فإن سرعته في أي اتجاه لن تختلف عن سرعته فيما لو رماه وهو على سطح الأرض. ولو أن أحدهم جرى من مؤخرة الطائرة باتجاه مقدمتها بسرعة ثابتة، ولتكن خمسة كيلومترات في الساعة، فإن سرعته بالنسبة لسطح الطائرة، ستكون نفسها فيما لو جرى بالاتجاه المعاكس. ولكن الأمر يختلف تماما لمشاهد يقيس سرعة هذا الشخص من على سطح الأرض، فسرعته هي ألف وخمسة كيلومترات في الساعة، إذا كان يجري من مؤخرة الطائرة إلى مقدمتها، وتسعمائة وخمس وتسعون، إذا كان يجري في الاتجاه المعاكس، وذلك بحسب موقع المشاهد.


وإذا كان ركاب الطائرة على صغر حجمها وعلى مدى قربها من الأرض لا يكادون يحسون بحركتها، فإن سكان الأرض أولى بمثل هذا الشعور، فهم يرون الأرض ساكنة تمام السكون، ولا يوجد فيها ما يوحي بأنها تتحرك أبدا. ولهذا السبب فقد بقي البشر حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي يعتقدون أن الأرض هي مركز هذا الكون، وأن جميع ما فيه من أجرام تتحرك حولها، وهي ثابتة لا تتحرك أبدا، كما توحي بذلك حواسهم. وبناء على هذا الاعتقاد قام الفلكي الإغريقي بطليموس في القرن الثاني الميلادي بوضع أول نموذج يفسر حركات الأجرام السماوية المختلفة، كالشمس والكواكب وبقية النجوم، وتنص نظريته على أن الأرض كروية الشكل، وهي ثابتة في مركز الكون، وتدور السماء وجميع الأجرام السماوية حولها على أبعاد ثابتة من بعضها البعض باستثناء بعض الأجرام، التي تدور بعكس هذه الخلفية في مسارات تبدو متمردة.

وبقي نموذج بطليموس القائل بأن الأرض كروية الشكل، وهي ثابتة في مركز الكون، وتدور جميع الأجرام السماوية حولها، هو المعمول به في علم الفلك، حتى ظهر الفلكي الشهير كوبرنيكس في القرن السادس عشر، وقرر أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، وتدور الكواكب بما فيها الأرض حولها. لم يبن كوبرنيكس نظريته من فراغ، بل اعتمد على كم هائل من الدراسات الفلكية، التي أجراها العلماء من قبله، وخاصة علماء المسلمين، الذين استلموا قيادة المسيرة العلمية في العصور الوسطى.

في عام (1543م) نشر كوبرنيكس نظرية جديدة تقول: "إن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، وأن الكواكب بما فيها الأرض تدور حولها في مدارات مستقلة". وأثبت كذلك أن الأرض تدور حول محورها دورة كاملة كل (24) ساعة، فينتج عن ذلك ظاهرة الليل والنهار، بينما تدور حول الشمس مرة كل عام، وينتج عنها ظاهرة تغير الفصول. ومع اكتشاف قانون الجذب العام على يد نيوتن في نهاية القرن السابع عشر، أصبحت عملية إثبات حركة الأرض وغيرها من الأجرام أكثر سهولة.

فهذا الكون لا يمكن أن يكون مستقرا، إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة، ولو حدث أن توقف أي جرم عن الحركة، لانجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه. ولهذا فقد اختار الله سبحانه نوعين من الحركة لهذه الأجرام، حركة دائرية، وأخرى خطية؛ فالحركة الدائرية اختارها الله لحفظ الأقمار حول الكواكب، والكواكب حول الشموس، والشموس حول مراكز المجرات، ولوقف هذه المتوالية اختار الله الحركة الخطية لحفظ المجرات من الانجذاب لبعضها البعض، حيث أنها تتحرك في خطوط مستقيمة باتجاهات خارجة من مركز الانفجار العظيم، وصدق الله العظيم القائل: {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} (يس:38-40).

وعلى ضوء هذا الشرح نعود لتدبر دلالات قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون} (النمل:88) لنستخلص من هذه الآية حقيقتين:

الأولى: أن الناظر إلى الجبال يظن أنها جامدة، أي: ساكنة لا تتحرك أبدا، وهذه حقيقة لا ريب فيها أبدا، فلا يمكن لأحد من البشر أن يحس بحركة الأرض، ولا يمكن لهم كذلك قياس سرعتها بأي جهاز مهما بلغ تعقيد تركيبه.

الثانية: التأكيد على أن الجبال ليست ساكنة، بل هي متحركة؛ لقوله تعالى: {تمر مر السحاب} وهذه هي الحقيقة التي لم يتمكن البشر من اكتشافها إلا بعد مرور ما يقرب من ألف عام من ذكر القرآن الكريم لها. إن اختيار الجبال كمثال للتدليل على حركة الأرض هو اختيار في غاية الحكمة، فلو راقب مشاهد حركة الأرض من على ظهر القمر، أو من على ظهر مركبة فضائية، فإن الجبال البارزة من سطح الأرض هي وحدها التي تكشف عن حركة الأرض حول محورها، ففي غياب علامات واضحة على سطح الأرض، فإنه من الصعب اكتشاف مثل هذه الحركة. ولكي يوضح الله سبحانه وتعالى للبشر كيف يمكن للشيء أن يبدو ساكنا في أعين الناظر له، وهو في الحقيقة في حركة دائمة، ضرب لهم مثلا في ظاهرة مماثلة، وهي حركة السحاب في السماء؛ فإن السحاب إذا ما كان متصلا ومتجانسا، وليس على شكل قطع، ويغطى مساحة واسعة من السماء، فإنه من الصعب جدا على الناظر إليه أن يحس بحركته أبدا، رغم أن الرياح تسوقه بسرعة عالية. وحتى في حالة السحاب الرقيق، الذي تتخلله فتحات، تنفذ من خلالها أشعة الشمس، فإن الناظر إليه يرى الشمس تتحرك بسرعة عالية من خلفه، بينما يبدو السحاب ساكنا لا يتحرك.

وما يؤكد أن هذه الآية تتحدث عن ظاهرة تحدث في حياتنا الدنيا، وليست في الآخرة، هو تعقيب الله سبحانه وتعالى عليها بقوله: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} فالله ليس بحاجة لأن يدلل على بديع صنعه في يوم تكون الجبال فيه {كالعهن المنفوش} والأرض غير الأرض، والسموات غير السموات إلى غير ذلك من مشاهد يوم القيامة المختلفة. وسواء أكانت الآية تتحدث عن حال الجبال في الدنيا أم في الآخرة، فإن تقريرها لمبدأ نسبية الحركة يبقى قائما، وحتى لو كانت تصف حال الجبال في الآخرة، فإن مبدأ نسبية الحركة ينطبق تماما على حال الجبال في الدنيا، كما أثبت ذلك العلماء.


والمثال الذي ضربه الله سبحانه وتعالى لتقريب معنى نسبية الحركة في حركة الجبال إلى أذهان البشر، وهو حركة السحاب، يؤكد على هذا المبدأ أيضا، فإذا ما أراد شخص أن يشرح لشخص آخر مبدأ نسبية الحركة، فخير مثال يمكن أن يستشهد به هو حركة السحاب.

إن منتهى الإتقان في الصنع، أن يعيش البشر على ظهر أرض يتحرك سطحها بسرعة قد تصل إلى (1700كم) ألف وسبعمائة كيلومتر في الساعة عند خط الاستواء، وتدور بكاملها حول الشمس بسرعة (108كم) آلاف كيلومتر في الساعة، وتدور مع المجموعة الشمسية حول مركز المجرة بسرعة (800كم) ألف كيلومتر في الساعة، أما المجرة فتندفع بما فيها من نجوم في خط مستقيم بسرعة تزيد عن مليوني كيلومتر في الساعة، ثم لا يحسون أبدا بهذه الحركات، بل إن بعضهم يرفض أن يصدق أن الأرض تتحرك بمن عليها! إن من أكبر النعم التي أنعم الله بها على البشر، أنهم يعيشون آمنين مطمئنين على سطح هذه الأرض، التي تسبح في هذا الكون بسرعات خيالية دون أن يشعروا بها، ودون أن تصطدم بهذا العدد الهائل من النجوم والكواكب التي حولها، وصدق الله العظيم القائل: {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار * وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم:33-34).

* مادة المقال مستفادة من كلام ابن عاشور وموقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن بتصرف.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة