- اسم الكاتب:ضياء صفوان
- التصنيف:الإعلام
لقد شكل الإعلام منذ عصور قديمة وسيلة مهمة للإنسان في قضاء حاجاته، وإيصال رسالاته، فقد استخدمه الإنسان منفردا للتعبير عن رأيه وأفكاره، وكذلك استخدمته الجماعات والأمم في نشر أفكارها ودعواتها للأمم الأخرى.
وقد اجتهد الإنسان في تطوير تلك الوسيلة من استخدامه للوسائل البدائية؛ كالنيران والدخان والطبول، ومرورا بأنواع الخطابة والشعر، ووصولا لوسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة المنتشرة في عصرنا الحالي.
ولا يخفى على ذي لب ما شكله الإعلام من وسيلة مهمة ورئيسة في الصراعات البشرية منذ عصور قديمة، فهو كان وما زال يشكل رأس الحربة في قلب الموازين العسكرية والمعنويات النفسية.
ومع بزوغ فجر الإسلام ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتمايز الصفوف في الصراع بين الحق والباطل، ظهر الإعلام كوسيلة مهمة في نشر الدعوة الإسلامية، وكشف بطلان دين المشركين، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغشى المشركين في مجالسهم، وفي أسواقهم ومجامعهم؛ ويدعوهم إلى الله، ويقرأ عليهم القرآن كما جاء ذلك في عدد من الأحاديث.
حيث جاء في الحديث عن أسامة بن زيد: [أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، فسلم عليهم، فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن](البخاري).
وجاء كذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد الصفا، فقال: [يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبدمناف، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس ابن عبدالمطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئا](البخاري عن أبي هريرة).
وأيضا ما ثبت في السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الكتابات والرسائل والرسل إلى الملوك والزعماء يبين لهم الإسلام ويدعوهم إليه.
فهذه الصور وغيرها تبين لنا كيف استخدم النبي صلى الله عليه وسلم الوسائل الإعلامية كالدعوة والخطابة في إبراز أهم قضية في ذلك الوقت، وهي: توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك.
وكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يستخدمون تلك الوسائل في نشر الدعوة، وتحقيق غايات الأمة الإسلامية، وإيصال صوتها للأمم الأخرى.
والأحاديث معلومة في هجاء حسان بن ثابت رضي الله عنه للمشركين، كما جاء في الحديث: [يا حسان، اهج المشركين، فإن جبريل معك](البخاري).
فهذا الصحابي استخدم الشعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ونشر الدعوة، وبيان الإسلام، والرد على المشركين، وكشف عوارهم، ولعل من اطلع على السيرة النبوية اطلاعا يسيرا يرى كيف عمل المسلمون على استخدام الإعلام، وتسخيره لنصرة قضايا الأمة الإسلامية.
وأيضا ما زالت الأمة الإسلامية من عهد النبوة وما بعده تستخدم الإعلام كوسيلة مهمة في بيان الإسلام، ونشره وإيصاله إلى الأمم الأخرى، وكذلك في الرد على شبهات المشككين وكشفهم.
ومع تقدم العصور وصل الإعلام كجانب عملي إلى ذروة عالية من التطور والحداثة كغيره من العلوم الأخرى، وبدأت تدخل عليه سياسة العولمة الجديدة، وإغراقه في النزعات العلمانية والليبرالية وغيرها، فأدخلوا عليه مبادئ لم تكن معلومة في السابق؛ كالحيادية، والمساواة بين جميع الأطراف، بغض النظر عن مكانة الحق والباطل من تلك الأطراف.
ومما لا شك فيه أن الإعلام كجانب حياتي وعملي لا بد من أخذه والنظر إليه من الناحية الشرعية، وأن ينطلق وفقا لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإننا ندعو للعودة لفهم السلف للكتاب والسنة، ولا شك أن الإعلام إحدى القضايا التي شملها الشرع، فلا بد إذا من فهمه وتطبيقه وفقا لفهم السلف، وأن نسخر الإعلام وسيلة مهمة لنشر الدعوة الإسلامية، وإبراز قضايا الأمة والدفاع عنها، ونصرتها من خلال هذا الإعلام، لا أن نجعل من تلك المبادئ الغربية مانعا من نصرة الأمة كالحيادية وغيرها.
إن تلك المبادئ الغربية تساوي بين الجلاد والضحية، وبين الحق والباطل، تحت مسميات زائفة يخدعون بها الناس، بل إنهم يرفعون تلك الشعارات ولا يطبقونها على أنفسهم وإعلامهم، وكلنا اليوم يشاهد ذلك الإعلام الغربي كيف يستخدم كل قواه ووسائله لتشويه صورة الإسلام، وقلب صورة الباطل إلى حق زائف.
إن الحوادث العصرية كالعلمانية والليبرالية، والانفتاح الغربي المطلق، وما يحمله من أفكار هدامة تفت عضد الأمة، وتهدم ولاءها بين أبنائها، شكلت عائقا كبيرا أمام الفرد الإعلامي المسلم لاستخدام الوسائل الإعلامية في نصرة أمته وقضيته، فلا يكاد يجد مؤسسة أو نواة إعلامية يحاول من خلالها إبراز قضايا الأمة ونشر الدعوة الإسلامية، إلا ويصطدم بتلك الحوادث العصرية التي تشكل له مانعا يصده ويمنعه.
فالفرد المسلم ممنوع من استخدام الوسائل الإعلامية الرسمية والخاصة في الدفاع عن دينه وأمته، تحت مسمى: الحيادية والمساواة، ولا يخفى على عاقل أن تلك المسميات ستجعل من الإعلامي المسلم آلة صماء، لا يتفاعل مع أمته وقضاياها، فلا يعقل لمسلم أن يكون محايدا بين الحق والباطل، وأن يساوي بين الجلاد والضحية.
وفي ظل هذه الظروف التي تمر بها الأمة من الضعف والوهن، فقد الإعلام هويته الإسلامية، كغيره من الوسائل والعلوم الأخرى، فلم يعد له كيان مستقل يشكل حاضنة للفرد الإعلامي المسلم لينصر من خلالها دينه وشرعه، ويظهر الحق ويدعو إليه، ويكشف الباطل ويحذر منه، وهذا لا ينفي وجود بعض الحواضن الإعلامية الإسلامية، ولكنها لا ترتقي للمستوى المطلوب لتشكيل إعلام أمة كاملة، فكل تلك الحواضن أو المؤسسات لا تعدو كونها تجارب ومبادرات يشكر عليها أصحابها، وتبقى محدودة مقيدة.
وأعتقد أن الحل يكمن في إصلاح الأصول قبل الفروع، فلا بد من رفض تلك المبادئ الإعلامية الغربية، والعمل على تشكيل نواة للإعلام الإسلامي الذي يحمل هوية إسلامية مستقلة، ومبادئ إعلامية تحقق الغاية من استخدامه، ولعل الحق هو رأس تلك المبادئ وأساسها، فلا مكان في الإسلام للحيادية بين الحق والباطل، أو بين الجلاد والضحية، سواء كان ذلك في الجوانب الإعلامية أو السياسية أو غيرهما من مناحي الحياة.
فالأمة اليوم تحتاج إلى إعلام يحافظ على الأصول والثوابت الشرعية، الذي يعمل على حفظ وتحقيق الغايات المرضية، بغض النظر عن تلك الحوادث العصرية التي لم تجلب للأمة سوى مزيد من الفتن والتفرقة والبعد عن الدين.
لعل الأمر يحتاج منا إلى نظرة واعية إلى القرن الأول من العهد النبوي وما بعده، والعمل على استنباط الأسس والمبادئ التي كان يقوم عليها الإعلام، والغايات التي كان يعمل على تحقيقها، ولا شك عندي ولا ريب أن العودة لفهم العهد الأول كفيل لحل وعلاج قضايا الأمة جمعاء، والإعلام يشكل واحدة من تلك القضايا التي أفسدتها الثقافات الغربية والأفكار الهدامة، فكان لا بد من الرجوع للأصل قبل فساده وضياعه، والله تعالى أعلى وأعلم.