- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
من آداب ديننا، ومن هدي نبينا صلى الله عليه وسلم: احترام الآخرين وتقديرهم، وعدم الإساءة لهم، وإيقاع الحزن في نفوسهم، وذلك صيانة لمشاعرهم، ومراعاة لأحاسيسهم، ومن مقتضيات ذلك: ألا يتناجى اثنان دون الثالث بغير إذنه، والتناجي: هو التحدث سرا بصوت منخفض وغير مسموع، أو التحدث بلغة غير مفهومة لدى الشخص الثالث، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التناجي بين اثنين إذا كان الحاضرون ثلاثة، مراعاة لشعور الثالث، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث) رواه البخاري. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه) رواه أحمد, وفي رواية أخرى: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما حتى يختلطوا بالناس، فإن ذلك يحزنه).
قال الخطابي: "وإنما قال ليحزنه لأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي سوء رأيهما فيه، أو لدسيسة غائلة له". وقال النووي: "في هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة بحضرة واحد، وهو نهي تحريم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن، ومذهبابن عمر ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر.. أما إذا كانوا أربعة فتناجي اثنان دون اثنين فلا بأس بالإجماع". ومما يدل على جواز تناجي اثنين دون الجالسين معهم إذا كانوا أربعة فأكثر، ما رواه مسلم في صحيحه من مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها بحضرة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. قال ابن حجر في الفتح: "قال ابن بطال مساررة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائز، لأن المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة".
بعض آداب التناجي :
ـ من آداب وضوابط التناجي ـ إن كان ضروريا في موقف من المواقف ـ: أن يكون في طاعة الله ورضاه، لا في معصيته وسخطه، ـ وهذا هو الأصل في الكلام كله جهرا كان أو مناجاة ـ، وقد ذم الله عز وجل المنافقين حين تناجوا بالإثم ومعصية الرسول، فقال تعالى: {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول}(المجادلة: 8)، ثم عمم الله تعالى الحكم فأدخل أهل الإيمان في النهي، وأمرهم بأن يكون التناجي بالخير والتقوى فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى}(المجادلة: 9) قال القرطبي: "نهى المؤمنين أن يتناجوا فيما بينهم كفعل المنافقين واليهود، فقال: {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم} أي: تساررتم: {فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى} أي: بالطاعة والتقوى بالعفاف عما نهى الله عنه".
ـ إذا احتاج الإنسان لمناجاة غيره سرا في وجود ثالث معهما وجب عليه أن يستأذنه بأسلوب لطيف رقيق، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه) رواه أحمد والترمذي.
ـ ومن آداب التناجي كذلك: لا يتناجا اثنان وبين أحدهما وأحد الجالسين شقاق وخلاف، قال ابن حجر في فتح الباري في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن ذلك يحزنه): "ويؤخذ من التعليل استثناء صورة مما تقدم عن ابن عمر من إطلاق الجواز إذا كانوا أربعة، وهي مما لو كان بين الواحد الباقي وبين الاثنين مقاطعة بسبب يعذران به، أو أحدهما، فإنه يصير في معنى المنفرد.. وقد نقل ابن بطال عن أشهب عن مالك قال: لا يتناجى ثلاثة دون واحد، ولا عشرة، لأنه قد نهي أن يترك واحدا.. لأن المعنى في ترك الجماعة للواحد كترك الاثنين للواحد، قال: وهذا من حسن الأدب لئلا يتباغضوا ويتقاطعوا. وقال المازري ومن تبعه: لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة لوجود المعنى في حق الواحد. زاد القرطبي: بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد، فليكن المنع أولى، وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى". وقال السندي: "قوله (إذا كنتم ثلاثة) يدل على أنه يجوز ذلك إذا كان أكثر من ثلاثة، لأنه يمكن أن يأتنس الثالث بالرابع، وأيضا بوجود الرابع لا يخاف الثالث على نفسه منهما الشر".
ـ ومما ينبغي على المسلم إذا دخل على اثنين يتناجيين قبل دخوله عليهما، أو كان موجودا معهما في وجود آخرين: ألا يتصنت لسماع كلامهما، أو يجلس بينهما، فقد روى أحمد في مسنده عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: (جلست إلى ابن عمر ومعه رجل يحدثه، فدخلت معهما فضرب بيده صدري وقال: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما). قال ابن حجر: "قال ابن عبد البر: ولا يجوز لأحد أن يدخل على المتناجيين في حال تناجيهما، قلت: ولا ينبغي للداخل القعود عندهما إلا بإذنهما، لما افتتحا حديثهما سرا وليس عندهما أحد، دل على أن مرادهما ألا يطلع أحد على كلامهما.. فالمحافظة على ترك ما يؤذي المؤمن مطلوبة وإن تفاوتت المراتب".
مراعاة مشاعر الآخرين منهج نبوي، وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم الكثير من الآداب التي نراعي ونحافظ من خلالها على مشاعر الناس وأحاسيسهم، والسيرة النبوية زاخرة بالأمثلة والصور في ذلك، مثل: مراعاة مشاعر المخطيء في طريقة نصحه، ومراعاة مشاعر الفقير بعدم جرحه والمن عليه، ومراعاة الناس بعدم إزعاجهم وإيذائهم بأي صورة من الصور، ومراعاة مشاعر أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى في طريقة التعامل والكلام معهم، ومراعاة مشاعر الكبار والصغار بإعطاء كل ذي حق حقه من التوقير والاحترام، والرحمة والحنان.. ومن صور مراعاة مشاعر الآخرين كذلك: عدم التناجي بين اثنين في حضرة ثالث، ولا شك أن مراعاة مشاعر الناس تحافظ على سلامة القلوب والنفوس، وتقوي العلاقات وتنميها، وتعمل على نشر روح المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع .