الفزع إلى الله

0 1347

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.أما بعد: فإن الناظر في حال العالم اليوم يرى أن مما يسيطر عليه القلق والفزع، والهلع والذعر؛ وذلك بسبب ما حصل فيه من اضطراب أوضاع العالم المالية، وقد ذكر ربنا سبحانه وتعالى في كتابه أوصافا للإنسان أنه خلق هلوعا: {إذا مسه الشر جزوعا . وإذا مسه الخير منوعا} [المعارج:20-21]، الجزع والهلع والذعر لما يصيبه، ومقاومة هذا -عباد الله- بأن يعلم العبد أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الخلق، ومدبر الأكوان. أن يوقن بأنه عز وجل كما قال في كتابه: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام:59].أن يوقن بأن الله سبحانه وتعالى بيده خزائن السموات والأرض. أن يوقن بأن ما عندكم ينفد، وما عند الله لا ينفد.

تأمين المستقبل يكون بالتوكل على الله (مع الأخذ بالأسباب):
أن يوقن بأن الذي يتوكل على ربه فإنما يأوي إلى ركن شديد، وأن يوقن بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ينجي من الكربات، من كربات البحر، ومن الكربات المالية، ومن جميع أنواع الكرب، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون} [الأنعام:63-64]، وهكذا يؤمن العبد مع أخذه بالأسباب أيضا بأن المستقبل بيد الله، وأنه لا يمكن لأحد أن يؤمن مستقبله (بغير معونة الله وحفظه وتأييده)، ومن قال: أنا أمنت مستقبلي، أو أمنت مستقبل أولادي فهو واهم؛ لأن هنالك مفاجآت، وأحداث عظام لا يعلمها إلا الله، وكم من الناس قد اعتمدوا على أرصدة فتبخرت، وكم من الناس قد اعتمدوا على أشياء فتلفت واحترقت، ولذلك فإن علم الغيب عند الله، وتأمين المستقبل بيد الله؛ فهو الذي يعلم الأمور والحقائق، والبواطن والمآلات. والعباد مهما حاولوا استشراف المستقبل فإنهم يضلون، ويخطئون، ويزلون: {لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون} [الأنعام:67؛ ولذلك أخبرنا أنه لا يعلم الغيب إلا هو...ومن الأمور التي تهدئ النفوس أن يعلم العبد أن الله هو الرزاق: {إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون . فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم . وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون . وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع} [الأنعام من الآيات:95-98]، وهكذا الدواب يعلم الله رزقها، ومستقرها، ومستودعها.

تفكر -يا عبد الله- في قضية المستقر والمستودع: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون . وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء} [الأنعام من الآيتين:98-99]، جعل الرزق في نباتات، هذا رزقه، ...{وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات} [البقرة من الآية:22].لماذا؟ رزقا للعباد، فهو الذي يرزقهم، ويجعلون له شركاء! ويكفرون به! ويتوكلون على غيره!.الناس فقراء إلى الله وهو سبحانه وتعالى الواحد القهار، المستغني عن خلقه؛ يحتاجونه، ولا يحتاج إليهم، سبحانه: {يا أيها الناس} [فاطر من الآية:15]، هذه من الآيات التي تقرأ في الأزمات، ويدرك به العباد معان عظيمة قد لا يحسون بها في غيرها، في غير أحوال الاضطراب:{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر:15]؛ فالفقير يحتاج إليه كي يغنيه، والمريض يحتاج إليه كي يشفيه، وهذا المضطر، وصاحب الكربة يحتاج إليه كي ينجيه، وإذا شح المطر عجوا إليه بالاستسقاء، وإذا قل الرزق ألحوا عليه بالدعاء، فهو الذي يرزق، وهو الذي يفقر، وهو الذي يغني، وهو الذي يحيي، وهو الذي يميت: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير} [آل عمران:26]، فإذا أردت أن تعتمد على أحد اليوم فاعتمد على الله، وإذا أردت أن تسأل فسل الله، وإذا أردت أن ترجع إلى أحد في وقت الفزع فارجع إليه..فإنه الركن إن خانتك أركان.

عباد الله، ربكم سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالشدة والرخاء، والسراء والضراء، ينظر ماذا يفعلون؟ وكيف يعملون؟ سبحانه وتعالى يقلب الأحوال على عباده: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن من الآية:29] ؛ ولذلك فإنه ينبغي على العبد إذا صار في حال الاضطراب، والأمر المريع أن يفزع إلى ربه: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} [الإسراء:67]، وهكذا فإنه عز وجل مع الإنسان، والإنسان يطغى: {كلا إن الأنسان ليطغى . أن رآه استغنى} [العلق:6-7]؛ فإذا اغتنى لم يلجأ إلى الله: {وإذا أنعمنا على الأنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} [فصلت:51].أحوال الناس في تقلب دائم تقلب الأحوال بالناس، وأنت تسمع على مر الأخبار في العالم اليوم أناس كانوا في قمة الثراء، فصاروا مفلسين، وكذلك فقدان للوظائف؛ يسمع الواحد ويضطرب، فمن الذي يفزع إليه؟ عيادات نفسية؟ إلى المحللين؟ إلى الخبراء؟ إلى الشاشات؟ إلى من؟ إلى الله سبحانه وتعالى.

الفرق بين من تعلق بالمال ومن تعلق بالله عند الأزمات:
ماذا يقع في نفس المسلم وهو يقرأ أخبار الناس؟"تبخرت مدخرات مستثمرين تأثرا بالأزمة الاقتصادية العالمية وسط حالات من الهلع والذهول والاكتئاب" هذه القضية: هلع ذهول اكتئاب."ويقضي المستثمرون نهارهم أمام الشاشات، وليلهم في متابعة الفضائيات، لا حديث سوى التحسر على أموالهم التي تبخرت" مفردة (التحسر) من المفردات الأخرى..(التحسر) لماذا؟ لما صارت الأموال في نفوسنا لها وزن كبير، والتعلق بها في النفوس عظيم، والأمر كما قال الله سبحانه وتعالى: {وإنه لحب الخير لشديد} [العاديات:8] يعني المال، وقال: {وتحبون المال حبا جما} [الفجر:20] تعلقت النفوس بالأموال، في بعض الأحيان أكثر من التعلق بالله الواحد المتعال.حين تتعلق النفوس بالأموال أكثر من الواحد المتعال فمعنى ذلك أنه يوجد خلل؛ ولذلك إذا حدثت اضطرابات وأزمات مالية ، فإن الهلع، والاكتئاب، والتحسر هذا شيء متوقع جدا، لماذا؟ لأن المال عندهم هو كل شيء؛ فصارالواحد منهم  مستعدا إذا خسر ماله أن ينتحر؛ لأنه -عند نفسه- ماذا بقي له من الدنيا؟ المؤمن بقي له إيمانه، بقيت له صلته بالله، بقي له رفع اليدين بالدعاء لربه، بقيت له صلاته، بقي له صيامه، بقي له ذكره وتلاوته لكتاب الله، بقيت له الأخوة في الله، بقيت له الدعوة إلى الله، بقي له بر الوالدين، بقي له صلة الرحم، بقي له حسن الخلق، والمعاملة بالحسنى، بقيت للمؤمن أشياء كثيرة ولو خسر ماله، لكن أهل الهلع، والذين تعلقت نفوسهم بالمال إلى الحد الأقصى، إذا خسر ماله ماذا بقي له؟ لا شيء، ولذلك يقدم على الانتحار، فهم طبيعة الدنيا، ولماذا نحن نعيش فيها؟ في ظل الأزمة في غاية الأهمية: {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56].هناك عجائب ستحدث في العالم، هنالك أمور كثيرة، ونحن لا ندري ماذا بعد هذه التحولات والأزمات، ولذلك لا حل إلا باللجوء إلى الله، سلم أمرك لربك، وفوض إليه سبحانه، التوكل تفويض، والمسلم إذا حوصر، وإذا أصابه الكرب، وإذا أصابته الشدة فشعاره: {وأفوض أمري إلى الله} [غافر من الآية:44] هذا شعار المسلم، توكلت عليه ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب.

ضعف الإيمان سبب لعدم تحمل الأزمات
لماذا لا نتحمل الصدمات؟ لضعف الإيمان بالله! ضعف الإيمان بالقضاء والقدر! ضعف الإيمان بقوله: ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك (رواه أبو داود [4699]، وصححه الألباني في صحيح الجامع [5244])!ضعف الإيمان بقوله: لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك (رواه الترمذي [2516]، وصححه الألباني)!ضعف الإيمان بقوله: رفعت الأقلام وجفت الصحف (رواه الترمذي [2516]، وصححه الألباني)! ضعف الإيمان بقوله سبحانه وتعالى في كتابه: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد من الآية:22]؟سبحان الله! {إلا في كتاب} يعني مكتوبة عنده عز وجل من قبل أن نبرأها، ونخلقها، ونوجدها في الواقع، ضعف الإيمان بقوله: {ما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء من الآية:79]! لأن الإنسان يتلفت، ويقول: من أين أتينا؟ ما الذي حدث؟ من أين هذا؟ {قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران من الآية:165]. لقد كان شيئا مما عملته أيدي البشر، هم عملوه، وهم جنوه، هم زرعوه، وهم حصدوه، هم السبب فيه، وهذه آية كبيرة وعظيمة.

كيف نواجه الأزمات؟
للإجابة على هذا السؤال (نقول ابتداء لا يمكن القعود وترك الأخذ بالأسباب) لكن مع ذلك لك أن تتساءل .. من الذي يضر وينفع؟ من الذي يقدر الأمر؟ من الذي يجري الأقدار؟ من الذي يكور الليل على النهار؟ إنه الواحد القهار سبحانه وتعالى، فإليه فافزعوا، وإليه فالجؤوا، وإليه المآب؛ فبه تحصنوا، وبه تعوذوا، وعليه توكلوا، وإليه أنيبوا، وإليه توبوا، وإليه الأكف فارفعوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بتصرف 

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة