- اسم الكاتب:مصطفى محمد كريم
- التصنيف:محاسن الأخلاق
المعرفة وحدها لا تكفي؛ لا بد أن يصاحبها التطبيق. والاستعداد وحده لا يكفي؛ بل لا بد من العمل" (جوته).
كل ما قمت به إلى الآن عزيزي القارئ من تحديد لأهدافك في الحياة، ووضع خطة لبلوغ هذه الأهداف؛ مراعيا فيها المعوقات التي ستقابلك، وكيفية حلها وتجاوزها، كل هذا جهد مهم وضروري لتحديد مسار حياتك، ولكنه في الحقيقة لا قيمة له إذا لم يتبع هذا الجهد تفعيل لكل هذا في أرض الواقع، فهل يكفي أن تخطط لرحلة تحدد فيها المكان الذي تقصده، وتعد لها العدة، وتهيأ كل ما ستحتاجه في الرحلة، وتضع في الحسبان حلولا لأي معوقات تصادفك، ثم بعد كل هذا تظل في مكانك ولا تسافر؟ لا شك في أنك تتفق معي على أن هذا التصرف يعد جهدا مهدرا، ووقتا ضائعا، وأدوات مستهلكة، مع عدم وجود ناتج في النهاية، فمتعة الرحلة لن تتحقق وأنت في مكانك لم تبرحه، وكذلك حقيقة الإنجاز وتحقيق الأهداف لن تتحقق وأنت في مكانك لم تفعل أهدافك وخططك في ميدان حياتك. فابدأ من الآن في تنفيذ ما وضعته على الورق من أهداف وخطط لتحقيقها، ولتكن حياتك عندك غالية، فلا تبددها دون أن تشعر، واحرص على أن تكون لك قيمة تبرر وجودك، وإلا صارت هذه الأهداف لا تساوي حتى الحبر الذي كتبت به.
أكمل لوحتك:
يقول (أديليد آن بروكنز): "أحلامك تكتسب أهمية بالغة بشكل قوي مع الشروع في تحقيقها"، فتطبيق وتفعيل أحلامك وأهدافك على أرض الواقع هو العنصر المتمم لمعادلة الإنجاز كما يصفها الدكتور صلاح صالح الراشد في كتابه (كيف تخطط لحياتك؟) حين يقول: "إن التطبيق هو صلب الإنجاز، وهو عادة الناجحين، وسر المتفوقين، وعماد المخترعين والمبدعين، وحجة النابغين، ومن لا يطبق فلا يتوقع أي نتائج البته، إن هذه المرحلة من الإنجاز هي مرحلة كشف الجادين من الخائبين، من لا يطبق بعد أن يخطط فطريقه الإسقاطات على الآخرين وغير ذلك". وتخطيط بلا تطبيق كمن شرع في رسم لوحة جمالية، ورسم الخطوط الرئيسية فيها، ثم كف عنها، فتكون اللوحة عبارة عن خطوط بلا معنى، فهل من الممكن أن توصف مثل هذه اللوحة بالجمال حتى وإن كان يحمل راسمها في عقله أفكارا جمالية لها؟، فهو لم يترجم هذه الأفكار إلى شيء على الورق، كذلك حال من خطط ولم ينفذ، فالرسام هو أنت، والورقة هي حياتك، والأفكار الجمالية هي أهدافك، والفرشاة هي خططك، ورسمك هو فعلك وجهدك الذي يثمر في النهاية لوحة تبهر العقول، وهل هناك لوحة أجمل من نجاحك في تحقيق أهداف حياتك؟.
من الممكن أن تمتلئ بالحماسة، ويكون لديك الإمكانيات المحفزة من أهداف، وخطة، ومعرفة، ولكنك إن لم تضع كل هذا موضع التنفيذ؛ ستكون كل هذه المهارات بلا قيمة ولا طائل من ورائها، كما يقول (جيم رون) في كتاب (سبعة طرق للسعادة والرخاء): "المعرفة بدون تنفيذ يمكنها أن تؤدي إلى الفشل والإحباط". فتكون بتركك للتنفيذ كمن جنى على حياته، فبعدما رسم لحياته معنى وطريق إذ به يلقي بكل ذلك في الهواء، فيهوي من قمة الطموح والرغبة في النجاح إلى سفح الفشل والشعور بالإحباط، ويكون بذلك تساوى بمن لا يملك هدفا في الأصل، وما أجمل هذه الحكمة البسيطة التي خرجت من في رجل بسيط يرويها لنا الدكتور إبراهيم الفقي: "كان والدي يقول لي دائما: الحكمة أن تعرف ما الذي تفعله، والمهارة أن تعرف كيف تفعله، والنجاح هو أن تفعله". فالحكمة وضعك لهدفك، والمهارة رسمك لخطتك، والنجاح أن تنفذ وتترجم هذه الأهداف والخطط على صفحة حياتك. لا تكن كالجائع: قال (بنيامين فرانكلين): "من عاش على الأمل مات جائعا"، فأن يبدأ الإنسان بالأمل والحلم فهذا شيء جميل، ولكن إذا حلمت فلا بد من التنفيذ وبلا تردد؛ فالحلم والأمل شيئان جميلان، ولكنهما لا يكفيان وحدهما، وللأسف يعيش كثير من الناس حياة بعيدة عن أهدافهم، فإذا اطلعت على أهدافهم رأيتهم كالصقور محلقين في سماء الحياة، ولكن إذا نظرت إلى أعمالهم وأفعالهم رأيت بونا شاسعا بين ما هو مرسوم وما هو متحقق.
وهناك سببان يمنعان الناس من أن يضعوا خططهم موضع التنفيذ:
1- الخوف من الفشل:
فمن الممكن أن تجد شخصا مر بتجربة فاشلة، فحتما سيحاول تفادي تكرار الفشل في هذه التجربة، وفي سبيل ذلك هناك مسلكان: شخص سيدرس أسباب الفشل في التجربة السابقة، ويسعى إلى تلافيها، وعدم تكرارها، ويكمل مسيره نحو الهدف، وعلى الجانب الآخر هناك شخص سيسعى إلى عدم تكرار هذا الفشل عن طريق اجتناب الطريق برمته، والتوقف على ما كان عليه، والتخلي عن أهدافه وأماله في الحياة. وللصنف الأخير أذكرهم بحكمة صينية تقول: "القرار السليم يأتي بعد الخبرة التي تأتي من القرار السيء"، ولتنظر مثل نظرة أديسون عندما كان يعمل على تجربة معينة طوال فترة ثلاث سنوات متواصلة، وفشل خلالها سبعمائة مرة، وأحبط زملاؤه وتلاميذه جميعهم؛ فتوجهوا إليه وقالوا له: "لقد فشلنا سبعمائة مرة، وهذا فشل ذريع، إذ لم نتوصل إلى شيء بعد، وعلينا أن نتوقف"، فضحك أديسون وقال: "ما الذي تقولونه؟ أي فشل، لقد نجحنا في معرفة أن هذه الوسائل السبعمائة لن تجدي نفعا، ولو لم نجرب لما عرفنا، ولكنا نقف على الباب الأول نفكر ما إذا كان هذا هو الباب الصحيح، أما الآن فقد تأكدنا أن الأبواب السبعمائة ليست الصحيحة، وهذا إنجاز ما بعده إنجاز".
2- التسويف:
السبب الثاني الذي يمنع الناس من التطبيق هو التسويف، فبعضنا يأخذ في تأجيل بعض أو كل الخطوات المحددة في الخطة التي يفترض أن يقوم بها، ويظل يؤجلها إلى اليوم التالي، والأسبوع الذي يليه وهكذا. وعلاج هذا الأمر يكون بمعالجة أصله المتمثل في وجود أزمة في إدارة الوقت، ولقد سبق لنا في مقال (طور ذاتك تنجح في حياتك) أن شرحنا كيفية اكتساب مهارة إدارة الوقت.
التهم الفيل:
يشبه علماء الإدارة كيفية تحقيق الأهداف الكبيرة بمن يريد أن يأكل فيلا، إذ ليس أمامه حل إلا أن يأكله لقمة لقمة. فمن أكبر أسباب التخاذل أو الفشل أو التسويف الشعور بعظم الأهداف أو بعدها؛ لأن النفس تكره المشقة، ولا تستشعر البعيد، لذلك فمن المهم أن تدرب نفسك، وذلك بما أشرنا إليه في مقالة (خريطة المستقبل) من تقسيم أهدافك الكبيرة إلى أهداف سنوية، تقودك إلى أهداف شهرية، يخرج من أهداف أسبوعية، ترشدك في النهاية إلى تحقيق هدفك المنشود. ماذا تنتظر؟ وختاما عزيزي القارئ وبعد أن تكلمنا عن أهمية التطبيق الفعلي، وخطورة التكاسل وأسبابه من خوف من فشل أو تسويف، بعد كل هذا ماذا تنتظر؟ هيا لتنطلق في ميدان حياتك، فحياتك تنظر إليك راجية منك أن تعيد صياغتها، ورسم ملامحها؛ كي تجعلها تحفة تتباهى بها في سوق الناجحين. ابدأ الآن؛ فالبداية هي أصعب شيء في أي عمل، وكل شيء عظيم تراه في هذه الحياة بدأ بفكرة بسيطة، ولكن الأفكار وحدها لا تغير شيئا، إذ لا بد أن تنقل أفكارك من رأسك إلى مستقبلك السعيد، ما فائدة الأحلام والتفكير والتخطيط ما لم يترجم كل ذلك إلى عمل مفيد تلمسه الأيدي، وتراه الأعين، وتسمعه الآذان؟.
ومن العادات الجيدة أن تحدد لنفسك نصف ساعة في اليوم تراجع فيها خريطتك، وما حققته خلال يومك، وبناء على ذلك تتابع السير على الخطة بمثابرة وجهد الرجال حتى تصل إلى هدفك المنشود، وتذكر قول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام