إسلاموفوبيا

0 1414

إسلاموفوبيا مصطلح مركب من كلمتين، الكلمة الأولى عربية وهي ( إسلام)، والكلمة الثانية يونانية وهي ( فوبيا )، وأصلها (فوبوس) وتعني الخوف.
فيكون معنى إسلاموفوبيا الحرفي: الخوف من الإسلام أو الخوف الجماعي المرضي من الإسلام، وكذلك الخوف من المسلمين.
والمعنى الاصطلاحي لكلمة إسلاموفوبيا هو: رهاب الإسلام.

وهي كلمة مستحدثة تعني الخوف أو التخوف من الإسلام، والكراهية الموجهة ضد المسلمين، وقد استخدم هذا المصطلح في التسعينات في عام 1997م من القرن الماضي من قبل خلية يسارية تسمى (رنيميد ترست)، ويشار به إلى غير المسلمين الذين يرون في الإسلام دينا لا يتأثر بالحضارة المادية الحديثة، ولا يقبل التعايش معها، وهو دين يحقق أهدافه وغاياته من خلال استخدام القوة والعنف.

يرجع بعض المؤرخين استخدام هذا المصطلح إلى بدايات القرن العشرين، بينما يرى بعض علماء الاجتماع أن إسلاموفوبيا ازدهر مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، إذ استخدم هذا المفهوم من قبل مرجعيات دينية محافظة بغرض ارتداء الحجاب، فوصم بالإسلاموفوبيا كل من يعارض فرض الحجاب في الأماكن العامة.

والحقيقة أنه بدأ ظهور إسلاموفوبيا مع ظهور الإسلام نفسه، فما أن سمع المشركون بظهور دين جديد يدعو إلى وحدانية الإله، وإلى تحرير العبيد، وإلغاء الطبقية، ونشر العدالة والمساواة، إلا وبدأ تخوف طبقة الأغنياء والمتمسكين بعقائد آبائهم من انتشار هذا الدين الجديد.

ثم ازداد الأمر تخويفا عندما بدأ المسلمون يظهرون شعائر دينهم ويدعون علنا إلى الإسلام، ثم ازداد الأمر تخويفا عندما أعلن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيام أول دولة إسلامية في المدينة، وهكذا فما بلغ خبر انتصار المسلمين على الكفار في غزوة بدر وغيرها، إلا ظهرت بوادر التخوف والرهبة والرعب في قلوب غير المسلمين في الدول المجاورة، إلى أن قامت الدولة الأموية ومن ثم الدولة العباسية وما بعدها، فظهر التخوف منه بشكل أكبر، وما الحروب الصليبية التي شنها الصليبيون على المسلمين إلا أثرا من تخوفهم من الإسلام.

فالقساوسة والرهبان والمؤسسات الدينية في الغرب متمثلة في الكنائس استثارهم انتصارات المسلمين في المعارك وانتشار الإسلام في البلدان، فعملوا على السعي في معرفة مصدر هذا التفوق الفكري والعسكري والاجتماعي والصناعي والتجاري الذي حققه المسلمون، فبعثوا وفودا وطلابا ينهلون من علوم المسلمين في عواصمهم الكبرى، يجثون على ركبهم أمام علماء المسلمين، يتعلمون لغتهم اللغة العربية، ودينهم الإسلام بكل فروعه، في شكل مستشرقين يهتمون بالعلوم الشرقية، ودرسوا تاريخهم وعلومهم في الجغرافيا والعلوم التطبيقية والطبيعية من فيزياء وكيمياء وطب وغير ذلك من العلوم، حتى الفلك والرياضيات، ودرسوا مخترعاتهم وكيفيتها، ثم وقفوا على الشريعة الإسلامية بشكل أدق وبهرهم، بل وزاد من تخوفهم، ما فيها من أحكام تتعلق بالأفراد ذكورا وإناثا، ومعظمها يضاد ما يعتبرونه من الحرية الشخصية، فالمرأة تتستر بقانون (الحجاب)، وتعتزل الاختلاط المحرم، وهم يريدونها على عكس ذلك، وكذلك نظم العلاقة بين الطبقات، والعدالة والمساواة بين الناس، وهم يرون هذا كله أغلالا تحد من انطلاقاتهم.

من هنا صوروا المسلمين أعداء للحضارة والنهضة خاصة فيما بعد الثورة الصناعية، التي عرفت بعهد التطور، وبالثورة الفرنسية في القرن السادس والسابع عشر، عندما ثارت الشعوب الأوروبية على الأباطرة والكنائس والدين المسيحي خاصة، فرأوا في الإسلام خطرا لو انتشر لقام وبشكل أشد مما كان يقوم به رجال الكنيسة من تقييد لحريات الناس، ومن الوقوف في وجوه علماء الطبيعة، وتكفير كل من يحاول أن يأتي بجديد في تفسير التاريخ نفسه، وفي اكتشاف القوانين والنظريات التي تنبني على أسس علمية، قائمة على أدوات البحث العلمي كالتجربة والملاحظة وغيرها.
فدين كهذا –بحسب ما صوروه للناس (وهو جهل به)- يهدد واقع الحياة وواقع الناس ويرجعهم إلى الوراء والتخلف.

عمل مفكرو الغرب على نشر أفكار تقول: بأن المسلمين قادمون، فينبغي على الشعوب الأوروبية التصدي لهم بكل الوسائل المتاحة، فعملوا على زرع مفهوم التخوف من الإسلام في عقول العامة، حتى غدت أفكارهم سارية بين الشعوب وخاصة الشباب.

ازدهر مفهوم إسلاموفوبيا في بداية الألفية الثالثة إثر هجمات 11 سبتمبر 2001م، والتي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، وأحدثت تغيرا في العلاقات الدولية، وقد أعاد ذلك مشكلة الصراع والخلاف بين الإسلام والغرب، فاستغل بعض المفكرين الغربيين الوضع لإظهار الإسلام عدوا جديدا بدلا عن الشيوعية السوفيتية.

وعلى إثر ما سبق، نما الخطاب السياسي والذي سعى إلى استثمار الوضع الدولي المترتب على أحداث 11 سبتمبر، كما استثمرت الأحزاب المتشددة تلك الأحداث في تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين، وتوظيفها لأهداف حزبية خاصة، وكذلك نما الخطاب الإعلامي المعادي للإسلام، ولم يكن الواقع الاجتماعي مختلفا عن السياسي والإعلامي، حيث ظهرت فيه مشاعر العنصرية ضد العرب وكراهية الإسلام واضحة جلية.

ظهرت آثار هذا المفهوم المغروس في أذهان الشعوب الغربية وخاصة فرنسا على شكل مظاهر يمكن تلمسها في واقع المجتمعات الغربية، من حقد موجه ضد الإسلام والمسلمين في أفعال عدائية وتمييز عنصري خاصة ضد المهاجرين العرب، فظهرت الشعارات والآراء والهتافات التي تشحن النفوس بالأحقاد والكراهية ضد كل ما هو إسلامي، حيث قام بعض الكارهين للإسلام والحاقدين على المسلمين بنزع حجاب المتحجبات والتحرش بهن بالألفاظ النابية والتصرفات الهمجية في الأماكن العامة، وقد تعرضت العديد من النساء للضرب والشتم في الشارع بسبب حجابهن، كما تعرضت بعض الأسر للاعتداء الجسدي من قبل متطرفين في بعض الدول الأوروبية، وكذلك ظهر ما يسمى بمحاربة المؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية والتعدي عليها بمنعها من القيام بدورها الديني والإنساني بحجة دعمها للإرهاب، وكذلك القيام بتدنيس المساجد ومقابر المسلمين، وما رافق ذلك من سلوكيات سيئة مثل الكتابة على جدران المؤسسات والمساجد عبارات تسيء للإسلام والمسلمين.

وازدادت موجة كراهية المسلمين بعد الأزمة المالية التي حدثت في عام 2007م ، حيث تم ترويج فكرة أن الهجرات القادمة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تزاحم الأوروبيين في الحصول على فرص العمل وتكلف الدول الأوروبية نفقات باهظة، فتسبب الأزمات المالية للحكومات، وأيضا موجات اللجوء القادمة من سوريا والعراق ودول آسيوية عبر تركيا عام 2016م أججت مشاعر الكراهية وأسعرت خطابها.

و نتيجة لذلك انتشرت الجرائم الإنسانية ضد المسلمين في الغرب، وتعتبر الولايات المتحدة أكثر البلدان التي تشهد جرائم كراهية الإسلام والمسلمين، حيث بلغت نسبة الجرائم 67% حسب الإحصاءات الأخيرة.

نرى مما سبق أن مصطلح إسلاموفوبيا هو نتيجة للخطاب الاستعماري المعادي للإسلام، وقد أذكى هذا العداء تصرفات بعض المسلمين سواء المتطرفون الذين خرجوا من وسطية الإسلام إلى التشدد والغلو الممقوت، والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم"! أو المتساهلون الذين لم يهتموا بتصحيح صورة الإسلام التي شوهتها سلوكيات بعض المنحرفين من أبناء الإسلام، وقد قال صلى الله عليه وسلم :" بلغوا عني ولو آية"، بالإضافة إلى التضليل الإعلامي وصناعة الكذب حول حقيقة الإسلام ودوره الديني والإنساني في حياة البشرية.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة