يا عثمان، إنَّ الله عسى أنْ يُلْبِسَك قميصاً

0 634

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة من الهجرة وقبيل وفاته عثمان بن عفان رضي الله عنه عن وقوع فتنة في زمن خلافته، وأوصاه بالصبر وعدم ترك ما يراد منه حينئذ من تنازله عن الخلافة، ـ وقد أخبره صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بأنه ستصيبه بلوى وسيقتل شهيدا ـ، فأطاع عثمان رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يخالف أمره، ولم ينقض عهده، وقد وقع كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي ذلك دليل من دلائل النبوة، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع لعثمان رضي الله عنه مستقبلا، فوقع كما أخبره به. 

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه ـ أي الذي توفي فيه ـ: (وددت أن عندي بعض أصحابي، قلنا: يا رسول الله، ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: نعم، فجاء فخلا به، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه، ووجه عثمان يتغير، قال قيس: فحدثني أبو سهلة مولى عثمان: أن عثمان بن عفان قال يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، فأنا صائر إليه، وقال علي في حديثه: وأنا صابر عليه، قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني. (يوم الدار): يوم حوصر عثمان بن عفان رضي الله عنه في داره بالمدينة المنورة، و(عهد إلي عهدا) قال الطيبي:"أي: أوصاني بأن أصبر ولا أقاتل".
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن عائشة رضي الله عنها قالت: (أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلت إحدانا على الأخرى، فكان من آخر كلام كلمه أن ضرب منكبه وقال: يا عثمان إن الله عز وجل عسى أن يلبسك قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني، يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ـ ثلاثا ـ، فقلت لها: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك قالت: نسيته، والله فما ذكرته، قال: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلي به فكتبت إليه به كتابا) رواه أحمد. وفي رواية للترمذي وصححها الألباني قال صلى الله عليه وسلم: (يا عثمان، إن الله مقمصك قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه).
 قال ابن الأثير: "قال صلى الله عليه وسلم لعثمان: إن الله سيقمصك قميصا.. فإياك وخلعه يقال: قمصته قميصا إذا ألبسته إياه، وأراد بالقميص الخلافة، وهو من أحسن الاستعارات". وقال الطيبي: "استعار القميص للخلافة".

من فوائد هذا الحديث برواياته: بيان فضل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وشدة محبة النبي صلى الله عليه وسلم له، ومنها: أن فيه علما من أعلام النبوة، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما سيحدث لعثمان رضي الله عنه من فتنة اختلاف الناس فيه، وخروجهم عليه، فوقع كل كما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: أن فيه إشارة إلى أن عثمان رضي الله عنه سيتولى الخلافة، وأن الذين خرجوا عليه ليسوا من المؤمنين المخلصين. ومنها كذلك: أن المحدث إذا نسي حديثه ثم تذكره بعد، قبل عنه، فقد قبل الصحابة رضي الله عنهم حديث عائشة رضي الله عنها، مع أنها حدثت به بعد النسيان.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عثمان بن عفان رضي الله عنه في موقف سابق قبل ذلك بأنه ستصيبه بلوى وسيقتل شهيدا، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط (بستان) من حيطان المدينة... ثم استفتح (استأذن) رجل (عثمان) فقال لي: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه. قال: فجئت، فقلت: ادخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك (وهي البلية التي صار بها شهيدا)) رواه البخاري. قال ابن عثيمين: "(مع بلوى تصيبه): اجتمع في حقه (عثمان) نعمة (تبشيره بالجنة) وبلوى، وهذه البلوى هي ما حصل له رضي الله عنه من اختلاف الناس عليه، وخروجهم عليه، وقتلهم إياه في بيته رضي الله عنه، حيث دخلوا عليه في بيته وقتلوه وهو يقرأ القرآن، وكتاب الله بين يديه.. فدخل عيه أولئك المعتدون الظالمون فقتلوه، فقتل شهيدا، وبذلك تحقق قول الرسول عليه الصلاة والسلام".

لقد وقع كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه في السنة الخامسة والثلاثين للهجرة، أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بأربع وعشرين سنة، وفي تحقق ووقوع ما ورد وثبت من أقواله صلى الله عليه وسلم في إخباره عثمان بن عفان رضي الله عنه بما سيحدث من فتنة في عهده، وما أوصاه به حينئذ، وما أخبره به من كيفية موته، معجزة من معجزاته، ودلالة واضحة من دلائل نبوته صلوات الله وسلامه عليه، وأنه رسول من عند الله لا ينطق عن الهوى، قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى}{النجم 4:3)، ولذلك كان حسان بن ثابت رضي الله عنه يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم:
             فإن قال في يوم مقالة غائب    فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة