لفظ (سجد) في القرآن

0 805

تدل مادة (سجد) لغة  على انحناء وذل؛ يقال: سجد، إذا انحنى. وكل ما ذل فقد سجد. قالأبو عمرو: أسجد الرجل، إذا طأطأ رأسه، وانحنى. و(السجود) خفض الرأس، وإن لم تصل الجبهة إلى الأرض. وأصل (السجود) الانحناء لمن سجد له معظما بذلك، فكل منحن لشيء تعظيما له فهو (ساجد). و(المساجد) جمع مسجد: وهو كل موضع عبد الله فيه. وشجر ساجد، وسواجد، وشجرة ساجدة: مائلة. والسفينة تسجد للرياح وتميل. وسجد البعير وأسجد: طأطأ رأسه لراكبه. 

والسجود نوعان:

سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان، وبه يستحق الثواب، قال تعالى: {فاسجدوا لله واعبدوا} (النجم:62) أي: تذللوا له.

وسجود بتسخير، وهو للإنسان، والحيوان، والنبات، قال تعالى: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها} (الرعد:15)، وقوله تعالى: {أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون} (النخل:48)، فهو الدلالة الصامتة والناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم.

وقوله تعالى: {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دآبة والملائكة وهم لا يستكبرون} (النحل:49) ينطوي على النوعين من السجود بالتسخير والاختيار. وقوله عز شأنه: {والنجم والشجر يسجدان} (الرحمن:6) سجود على سبيل التسخير.

ومادة (سجد) ومشتقاتها وردت في القرآن في واحد وتسعين (91) موضعا، وردت في ستة وخمسين (56) موضعا بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} (البقرة:144) ووردت بصيغة الفعل في خمسة وثلاثين (35) موضعا من ذلك قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} (الحج:77).

ومادة (سجد) ومشتقاتها وردت في القرآن على عدة معان، منها:

الأول: السجود المعروف في الصلاة، من ذلك قوله سبحانه: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} (آل عمران:113) المراد (السجود) المعروف في الصلاة. ومنه أيضا قوله تعالى: {ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا} (المزمل:26) يقول: ومن الليل فاسجد له في صلاتك. وأكثر ما وردت مادة (سجد) في القرآن وفق هذا المعنى.

الثاني: بمعنى الركوع، جاء على ذلك قوله عز وجل: {وادخلوا الباب سجدا} (البقرة:58) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمروا أن يدخلوا ركعا. قال الطبري: "فذلك تأويل ابن عباس قوله: {سجدا} ركعا؛ لأن الراكع منحن، وإن كان الساجد أشد انحناء منه.

الثالث: بمعنى الصلاة، من ذلك قوله تعالى: {وتقلبك في الساجدين} (الشعراء:219)، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قيامك، وركوعك، وسجودك. ومن هذا القبيل قوله تعالى: {كلا لا تطعه واسجد واقترب} (العلق:19) ذكر الطبري أنها نزلت في أبي جهل، قال: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه، فأنزل الله: {كلا لا تطعه واسجد واقترب} قال نبي الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه الذي قال أبو جهل، قال: (لو فعل لاختطفته الزبانية). ونحوه قوله عز وجل: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون} (الأعراف:206) أي: ولله يصلون.

الرابع: أماكن العبادة، جاء وفق هذا المعنى قوله عز وجل: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن:18) عن قتادة قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يخلص له الدعوة إذا دخل المسجد. ونحو هذا قوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} (الحج:40).

الخامس: بمعنى الخضوع لله سبحانه والانقياد لأمره، من ذلك قوله سبحانه: {والنجم والشجر يسجدان} (الرحمن:6) عن قتادة قال: ما نزل الله من السماء شيئا من خلقه إلا عبده له طوعا وكرها. ونحوه قوله تعالى: {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون} (النحل:49) أي: ولله يخضع ويستسلم لأمره ما في السموات وما في الأرض من دابة يدب عليها، والملائكة التي في السموات، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بالطاعة.

السادس: بمعنى بيت المقدس، وعلى هذا جاء قوله تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} (البقرة:114) المراد بالمانعين هنا -كما قال الطبري- النصارى؛ وذلك أنهم هم الذين سعوا في خراب بيت المقدس، وأعانوا بختنصر على ذلك، ومنعوا مؤمني بني إسرائيل من الصلاة فيه بعد منصرف بختنصر عنهم إلى بلاده. قال الطبري: "إن الله جل ذكره إنما ذكر ظلم من منع من كان فرضه الصلاة في بيت المقدس من مؤمني بني إسرائيل، وإياهم قصد بالخبر عنهم بالظلم والسعي في خراب المسجد. وإن كان قد دل بعموم قوله: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} أن كل مانع مصليا في مسجد لله -فرضا كانت صلاته فيه أو تطوعا- وكل ساع في إخرابه، فهو من المعتدين الظالمين".

السابع: بمعنى المسجد الحرام، جاء على ذلك قوله تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر} (التوبة:17) المراد بـ {مساجد الله} في الآية هنا: المسجد الحرام في قول أهل التفسير، قال الطبري: "العرب قد تذهب بالواحد إلى الجمع، وبالجمع إلى الواحد". 

الثامن: مسجد قباء، جاء على ذلك قوله عز وجل: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} (التوبة:108) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وغيره أنه مسجد قباء، وفيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} (التوبة:108) قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية، رواه أصحاب السنن إلا النسائي.

وقوله تعالى مخبرا عن نبيه يوسف عليه السلام وأبويه وإخوته: {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} (يوسف:100) قال أهل التفسير: لما اجتمع إلى يعقوب بنوه، دخلوا على يوسف، فلما رأوه وقعوا له سجودا، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان.

ومحصل القول في مادة (سجد) أنها أكثر ما وردت في القرآن الكريم بمعنى السجود في الصلاة، ووردت بدرجة أقل بمعنى الصلاة، وبمعنى الركوع، وبمعنى أماكن العبادة، وبمعنى الخضوع لله والاستسلام لأمره، وبمعنى البيت الحرام، وبيت المقدس، ومسجد قباء.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة