مفاتيح الخير

0 1351

هناك فئة من الناس اعتقدت اعتقادا خاطئا، ركبت الصعب من خلاله، وأخذت طريقا بعيدا في انجاز أعمالها وأمورها المناطة بها، فهي لا ترضى دون الكمال في كل شيء، زعمت!! وفوق ذلك متابعة وتدقيق على كل جزء، مهما كان صغيرا في كل مشروع علمي أو دعوي يحاولون القيام به ، حتى أفنت عمرها، ولم تنجز شيئا يذكر.

وممن عرفته - وهو على شاكلة ما ذكرت آنفا-: رجل أفنى زهرة شبابه وبعضا من مشيبه في طلب العلم، وقراءة الكتب، والاتصال بأهل العلم، طلبا للفائدة، واستفتاء دقيقا فيما يشكل عليه، لكنني كلما قلت له: اكتب كتابا، أو مقالا، أو أقم درسا للعامة إفادة للناس، قال: ليس الآن، فما زلت دون ذلك، وانا أعلم علم اليقين انه شب عن الطوق.

وفي ظني انه مخطئ في مسيرته، مجانب للصواب في قراره، فساعة الزمن لا تنتظر، وكل دقيقة تمضي لا تعود أبدا، وفناء العمر في باب واحد من الخير تضييق واسع .

بل ينبغي ان يكون المؤمن زراعا ماهرا، يعطي كل أرض مما عنده من الخير بحسبها، فتراه يعلم من دونه، ويتعلم ممن فوقه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويقبل بالخير ممن يدله عليه، عمله دؤوب في ليله ونهاره، يتقرب الى الله ولو بشق تمرة ، ويطلب رضاه ولو بكلمة، لا يركب بطبعه العسير، ولا يعسر اليسير، يظن في كل خير - مهما كان صغيرا- انه ربما يكون سببا في دخوله الجنة.

ألم تدخل امرأة الجنة بسقية كلب؟!وآخر بازاحة غصن شوك عن طريق الناس يؤذيهم؟!!، على ما عندهم من التوحيد وأصل الدين.

لا تستصغر نفسك بهضم رأيك في أمر بر وتقوى، ولا تنثن عن دروب الخير ما دمت قادرا على سلوكها بعمل صالح ينفعك، ولا ترهبنك علية القوم ما دمت قادرا على أن تمتطي صهوة الرأي والنصيحة، فكلنا في وقت من الأوقات بحاجة إلى ناصح أمين .

أما انقذ الله المدينة في غزوة الأحزاب بمشورة سلمان؟!!وفي القوم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وباقي العشرة رضي الله عنهم جميعا..

ومن جميل ما اتفق لي، أنه في يوم من الأيام كنت جالسا في مكتبي، ودخل علي رجل أعرفه، معدود في عامة الناس.. دخل علي يستشيرني في أمر له علاقة بصلب عملي، فما إن جلس حتى دخل علي أحد رجال الدعوة، ومن حملة الشهادات العالية، أحسبه -والله حسيبه- متفانيا في دعوته، وإصلاح الناس، فسلم علينا سلاما حارا، غير اني تعجبت من ابتسامة على محياه غريبة أثناء سلامه على ضيفي.فلما انصرف الأول سألت ذلك الداعية عن سبب ابتسامته؟

سكت قليلا، ثم قال: لقد هداني الله تعالى على يد هذا الرجل - العامي- من كلمة سمعتها منه في مكان عام قبل عشرين سنة، حيث حدثنا بحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، ومنهم شاب نشأ في طاعة الله، وكنت يومئذ في الثامنة عشر من عمري.
فما أتم هذا الداعية حديثه حتى اقشعر بدني من عجيب ما اتفق لي، ووالله ما زلت أعجب من سذاجة موضوع ذلك الرجل العامي الذي جاءني يكلمني به ، كيف لا يشعر بأنهار الحسنات التي تصب في صحيفته حيث كان سببا في التزام ذلك الداعية؟!!.

أقول في آخر هذه المقالة: أنفق مما تملك، فليس بالضرورة أن تجمع مال الأولين والآخرين، ولا أن تحوز علمهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا تحقرن من المعروف شيئا.

كن مفتاحا للخير مما معك، فـان هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر.

واصنعوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات الله لعلكم ترحمون، فان لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة