وتعاونوا على البر والتقوى

0 1192

إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع أن يحيا في هذا الكون بمفرده، فهو في بعض شؤون حياته مجبر على التعاون مع الآخرين لتستمر الحياة.
وقد خلق الله الناس مختلفين ليتعاونوا، لأن التعاون من أفضل السلوكيات بين بني البشر، فهو أساس البناء الفعال والنجاح والسعادة للمتعاونين.

إن التعاون قيمة اجتماعية عظيمة، والتعاون سر نجاح الأمم، فبالتعاون تحصل الأمة على غاياتها وأهدافها، ويعيش المجتمع في رخاء وسعادة، وتسوده المحبة والألفة، وبالتعاون والتكاتف يقف في وجه العداء، ويكبح جماح الشر والظلم، وبالتعاون يشعر كل فرد بأهميته وقيمته في مجتمعه وأمته.

وحينما يتعاون المسلم مع أخيه يزيد جهدهما، فيصلا إلى الغرض بسرعة وإتقان، لأن التعاون يوفر الوقت والجهد، وقد قيل في الحكمة المأثورة "المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه".

لذا جاءت الأحاديث النبوية الكثيرة التي تحث على التعاون على البر والتقوى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى]، وقال عليه الصلاة والسلام: [يد الله مع الجماعة]، وقال صلى الله عليه وسلم: [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا].

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المثل العملي ليكون قدوة وأسوة واقعية متمثلة أمام الناس للتعاون بين المسلمين، فكان صلى الله عليه وسلم يعيش معهم كل أمورهم وشؤونهم وأفراحهم وأتراحهم:
- فدخل معهم في الشعب شعب أبي طالب عندما حبسهم المشركون فيه لمدة ثلاثة أعوام كاملة يلاقي ما يلاقون ويعاني مما يعانون.
- وعندما هاجر ووضع حجر الأساس لمسجده كان يبني معهم وينقل معهم الصخر على أكتافه الشريفة، ويحمل التراب ويرتجز معهم ويقول:
هذا الحمال لا حمال خيبر *** هذا أبر ربنا وأطهر

- وفي يوم الأحزاب، وعندما استقر رأيهم على حفر الخندق، قسم العمل بين المسلمين، وكان يحفر كواحد منهم، فقد روى البخاري عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: [رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الخندق وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره ـ وكان رجلا كثير الشعرـ، وهو يرتجز برجز عبد الله بن رواحة:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا .. .. ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلــن سكــينة علــيـنـا .. .. وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغـــوا علينا .. .. وإن أرادوا فتنــة أبينا

إن الإسلام يحث أتباعه على التعاون على الخير والتقوى ويجعله قربة لله عز وجل، ويحذر من التعاون على الشر والعدوان، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. والبر كلمة جامعة تطلق على أنواع الخير كلها.

ويتحدث ابن القيم عن هذه الآية الكريمة فيقول: "اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا، وفيما بينهم وبين ربهم، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين، وهذين الواجبين، واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة، فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله" (زاد المهاجر1/ 6)

وبين رحمه الله ما للتعاون على البر والتقوى من الضرورة والأهمية في المجتمع الإنساني فقال: "والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علما وعملا، فإن العبد وحده لا يستقل بعلم ذلك، ولا بالقدرة عليه، فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائما بعضه ببعضه، معينا بعضه لبعضه" (زاد المهاجر1/ 13).

إنه من سنن الله في الكون أن تتفاوت قدرات الناس وطاقاتهم، وتتباين ملكاتهم وحاجاتهم، فأحدهم مستطيع، وآخر عاجز، وبعضهم أغنياء، والآخرون فقراء. ويوجد في كل مجتمع، في أي زمان ومكان، الغني والفقير، والعالم والجاهل، والقوي والضعيف، والسيد والمسود، فكان من الواجب عليهم أن يتعاونوا فيما بينهم ليحققوا السعادة لمجتمعهم، ويظهر التعاون في: الهيئات الحاكمة، فعليهم أن يتعاونوا في توفير التعليم والعمل والسكن، والعلاج للمريض، والعيش الكريم. والعلماء عليهم أن يعلموا الجاهل ويرشدوا الضال. والأغنياء عليهم أن يبذلوا المعونة المالية للفقراء، والأقوياء عليهم أن يساعدوا الضعفاء.

آثار التعاون:
وللتعاون آثار حميدة تظهر في حياة المجتمع المتعاون، فالأسرة التي يتعاون أفرادها على الاقتصاد في العيش، وتربية الأبناء، والشفقة على الوالدين تكون سعيدة. والمجتمع الذي يتعاون أفراده على مساعدة الفقير، تعليم الجاهل، معالجة المرضى، كفالة اليتامى، محاربة الظلم، وتطهير مجتمعهم من الفساد هذا المجتمع يكون سعيدا ويكثر فيه الرخاء والأمن وتنتشر المحبة بين أفراده.

إن التعاون عمل صالح نبيل، وجهد مبارك شريف، يحتاج إليه المجتمع لإرساء أركانه وصيانة بنيانه، وهو أساس أخوة وثيقة العرى، تؤلف بين الناس وتجعل منهم على اختلاف الأمكنة والأزمنة، وحدة راسخة منيعة، لا تنال منها العواصف الهوج. يقول سيد المرسلين: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة].

لقد عني الإسلام بالتعاضد والتناصر والتكافل والتعاون فيما بين المسلمين أيما عناية، حتى جعل الصلاة التي هي عماد الدين عملا يعرف به المسلم ما يعيشه أخوه المسلم من بلاء ومحنة وضيق وشدة بعد حضوره في المسجد، وشهوده الصلاة مع الجماعة، وجعل الإحسان إلى المساكين وابن السبيل والأرملة والمصابين شرطا لقبول الأعمال الصالحة، واستحقاق الأجر والثواب عليها بجلب الرحمة والمغفرة إثرها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء].

وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهرا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة