- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
الحمد لله الذي لم يزل عليما قدريا، و{تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا * وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا} (الفرقان:62:61)
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرأوا إن شئتم قوله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}(السجدة:17)) متفق عليه.
الجنة أيها الأحبة هي بلاد الأفراح التي اشتاق إليها الصالحون، وسعى إليها السالكون، وعمل لها العاملون، وتزود لها المخلصون، وشمر من أجل تحصيلها المشمرون.
أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن أبوابها تفتح كلها في رمضان فلا يغلق منها باب، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب)، وكأنها تنادي على الطالبين والراغبين والمشتاقين، وكأنها دعوة أيضا من النبي صلى الله عليه وسلم للسعى في تحصيلها، كما قال في آخر الحديث (وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل).. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ـ وجميع أمته ـ على التشمير في طلب الجنان، والبذل والجد من أجل الفوز بمقعد فيها..
أيها الصائمون رمضان، الصادقون في طلب الجنان، أيها الساعون في فكاك رقابكم من النيران: هذا أوان البذل، وزمان دفع المهر، أيها المشمرون هذا وقت الجد والتشمير.
من لم يبذر في زمان الغرس ندم وقت الحصاد.
من لم يطلب الجنة في رمضان فمتى يطلبها؟
ومن لم يسع في عتق رقبته في رمضان ففي أي زمان يعتقها؟
إذا الروض أمسى مجدبا في ربيعه .. .. ففي أي وقت يستنير ويزهر
أقول رمضان وأستغفر الله.. وأين رمضان؟
لقد شمر عن ساق، وأذن بوداع وانطلاق، تقوضت خيامه، وتصرمت أزمانه، ومرت أيامه المعدودات كأنها غمضة عين أو ومضة برق.
أدركوا رمضان.. فقد عزم على الرحيل، ولم يبق منه إلا القليل..
أيها الصائمون:
لئن كان قد مضى من رمضان أكثره، غير أنه ربما كان ما بقي منه هو التاج الأجمل والثمرة الأينع.
والعبد الموفق من أدرك أن حسن النهايات يمحو تقصير البدايات، فمن لم يحسن الاستقبال فليحسن الوداع، فإن العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات، وما يدريك لعل بركة عملك مخبأة في آخره؛ فإنما الأعمال بالخواتيم.
أيها المسلمون
لقد خبأ الله بركة رمضان ـ وكله بركة ـ في آخره، فهذه العشر الأخيرة هي خلاصة الشهر وزينة الدهر، وأفضل الأيام، ولياليلها أفضل ليالي العام، وفيها ليلة القدر التي هي ليلة العمر، فيها أنزل القرآن، وفيها تكتب مقادير العام، من حرم خيرها فقد حرم، ومن وفق لها فقام ليلها غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن أدركها وأصابها كانت له خيرا من ألف شهر، وكان كمن عبد الله أكثر من ثلاثة وثمانين عاما.
هدي النبي واجتهاده
وكان من هدي رسولكم صلى الله عليه وسلم الاجتهاد الشديد في هذه العشر؛ ويخصها بأعمال لا يعملها في بقية الشهر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) رواه مسلم.
وعنها أيضا رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر) متفق عليه. ومعنى شد المئزر أي كان يعتزل النساء اشتغالا بالعبادة.
وقد بلغ من شدة اجتهاده في هذه الليالي المباركة أنه كان يجافي فيها النوم فلا يكاد ينام، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة وصوم ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر) رواه أحمد.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أيضا أنه يعتكف في مسجده هذه الأيام، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما).
وكان من شديد حرصه على الوقت أنه كان يواصل الصيام، ولما أراد الصحابة أن يواصلوا نهاهم وقال: (إنكم لستم كمثلي، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني).. أي يفتح علي من أبواب الفتوحات والقرب ونعيم الطاعة ولذائذ العبادة والأنس به ما يغنيني به عن الطعام والشراب الحسي.
وإنما كان يفعل صلى الله عليه وسلم كل ذلك تفريغا للوقت طلبا لرضا الرب وسعيا لتحصيل ليلة القدر، وقد دعا أمته لطلبها والسعي في تحصيلها فقال: (التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي) متفق عليه.
فاجتهدوا يا عباد الله في التماس ليلة القدر، وأكثروا من سؤال العفو؛ كما علم رسول الله أحب الناس إليه عائشة رضي الله عنها حين قالت: (أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: 0قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني) رواه الترمذي.
فيا طالب الجنان، وخاطب الحور الحسان، وراغبا في سلعة الرحمن، هذا أوان البذل ووقت الجد، وأوان التشمير، فأظهر لله الرغبة وصدق الطلب؛ فإن سلعة الله غالية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) رواه الترمذي.
يا سلعة الرحمن لست رخيصة .. .. بـل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن أيــن المشتري .. .. فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب .. ..فالمهر قبل الموت ذو إمكان
يا سلعة الرحمن كيف تصبر ال .. ..خطاب عنك وهم ذوو إيمان
يا سلعة الرحمن لــــولا أنهــــــا .. ..حجبت بكل مكـــاره الإنسـان
ما كان عنـــها قــط من متخلف .. .. وتعطـــلت دار الجزاء الثاني
لكـــنها حجــبت بكـــل كــريهـة .. .. ليصــد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهــمم التي تسمــوا إلى .. .. رب العـــلى بمشيئة الرحـمن
فاتعـب ليوم معادك الأدنى تجد .. .. راحــاته يوم المعــاد الثـــاني