مَدْح النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم

0 918

مدح القرآن الكريم وأثنى على الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلا أن أكثر الأنبياء نصيبا في المدح في القرآن الكريم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لما له من شأن عظيم ومكانة عالية عند الله عز وجل، فقد اصطفاه الله سبحانه على جميع البشر، وفضله على جميع الأنبياء والرسل، وشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وأعلى له قدره.. والمتأمل في القرآن الكريم يجد الكثير من الآيات القرآنية التي تبين عظم قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه سبحانه، وتزكيته ومدحه له، وثنائه عليه، ومن ذلك :

ـ {ورفعنا لك ذكرك}(الشرح:4): رفع الله عز وجل ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {ورفعنا لك ذكرك}، قال ابن كثير: "قال مجاهد: لا أذكر إلا ذكرت معي، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله "، وقال القرطبي: "وروي عن الضحاك عن ابن عباس قال: "يقول له: ما ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان، والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عرفة وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها "، وقال قتادة: " رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله".

ـ {ما ضل صاحبكم وما غوى}(النجم:2): زكى الله عز وجل نبيه في عقله وأثنى عليه فقال: {ما ضل صاحبكم وما غوى}، قال ابن كثير: "الغي ضد الرشد أي ما صار غاويا. وقيل: أي ما تكلم بالباطل"، وقال: "معلوم لكل ذي لب (عقل سليم) أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم من أعقل خلق الله تعالي، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق في نفس الأمر". وقال القاضي عياض: "ومن تأمل تدبيره صلى الله عليه وسلم أمر بواطن الخلق وظواهرهم، وسياسة الخاصة والعامة، مع عجيب شمائله، وبديع سيره، فضلا عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول وهلة، ومما يتفرع عن العقل ثقوب الرأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب، ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، واقتفاء الفضائل، واجتناب الرذائل، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم من ذلك الغاية التي لم يبلغها بشر سواه صلى الله عليه وسلم".

ـ {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}(النجم: 4:3)، قال السعدي: "أي: ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه، {إن هو إلا وحي يوحى} أي: لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى، في نفسه وفي غيره، ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم".. وكما زكى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في نطقه وكلامه، زكاه وأثنى عليه في بصره وفؤاده وصدره، فقال سبحانه: {ما زاغ البصر وما طغى}(النجم: 17)، وقال: {ما كذب الفؤاد ما رأى}(النجم:11)، وقال: {ألم نشرح لك صدرك}(الشرح:1).
 
ـ {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}(التوبة:128): أثنى الله عز وجل ومدح النبي صلى الله عليه وسلم في علاقته بأصحابه، ورحمته بهم وشفقته عليهم، وجمع له اسمين من أسمائه، فقال سبحانه عنه صلى الله عليه وسلم: {بالمؤمنين رؤوف رحيم}، قال القرطبي: "قال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من أنبيائه اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه قال عنه: {بالمؤمنين رؤوف رحيم}، وقال: {إن الله بالناس لرءوف رحيم}(الحج:65)". وقد ذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" في قوله تعالى: {بالمؤمنين رءوف رحيم}: "قال ابن عباس: سماه باسمين من أسمائه". أما تسميته بذلك صلى الله عليه وسلم معرفا بالألف واللام، فإنه لم يرد تسميته به، قال المناوي في شرح الشفا: "وأما بصيغة التعريف (الرؤوف الرحيم)، فالظاهر أنه لا يجوز إطلاقهما على غيره سبحانه". وفي حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: (..وقد سماه الله رؤوفا رحيما) رواه ابن حبان.

ـ {علمه شديد القوى}(النجم:5): زكى الله عز وجل معلم النبي صلى الله عليه وسلم ـ جبريل ـ وأثنى عليه بقوله: {علمه شديد القوى}، قال ابن كثير: "وهو جبريل، عليه السلام".
 
ـ {وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم: 4): أثنى الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في صفاته وأخلاقه وشمائله، وجعله الأسوة والقدوة الذي يتبع ويقتدى به في حياتنا كلها، فقال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم: 4)، وقال سبحانه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}(الأحزاب:21)، قال القاضي عياض: "وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم".
 
ـ {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء: 107): قال ابن كثير: "يخبر تعالى أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة". وقال الشنقيطي: "ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أرسل هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم، لأنه جاءهم بما يسعدهم، وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى". 

محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة حقه وقدره، ومدحه والثناء عليه، حق من حقوقه على أمته، ولهذا فقد مدحه كثير من صحابته الكرام والسلف الصالح رضوان الله عليهم كما هو معلوم ومستفيض في كتب السيرة والسنة ودواوين الشعراء, وذلك اقتداء بما جاء في مدحه والثناء عليه في كتاب الله عز وجل، وقد قال الله تعالى: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه}(الفتح: 9)، قال ابن كثير: "قال ابن عباس وغير واحد: يعظموه، {وتوقروه} من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام"، وقال السعدي:" {وتعزروه وتوقروه} أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم". وقال ابن تيمية: "والتعزير: اسم جامع لنصره و تأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم و التعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار".

كل من مدح النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه في الماضي والحاضر، يستدل على استحسان مدحه له بما جاء في الثناء عليه في القرآن الكريم، فقد مدحه الله عز وجل وأثنى عليه في كثير من الآيات القرآنية، وأخبرنا سبحانه أنه هو وملائكته يصلون عليه فقال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}(الأحزاب: 56)، ومن ثم جاء الخلق بعد ذلك مقصرين في حقه صلى الله عليه وسلم مهما اجتهدوا ومدحوا وأثنوا عليه.. وفي شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية في: ما ورد في آي التنزيل من عظيم قدره ورفعة ذكره صلى الله عليه وسلم: "لا سبيل لنا أن نستوعب الآيات الدالة على ذلك، وما فيها من التصريح والإشارة إلى علو محله الرفيع ومرتبته، ووجوب المبالغة في حفظ الأدب معه، وكذلك الآيات التي فيها ثناؤه تعالى عليه وإظهاره عظيم شأنه لديه، وقسمه تعالى بحياته، ونداؤه بـ"الرسول" و"النبي"، ولم يناد باسمه بخلاف غيره من الأنبياء، فناداهم بأسمائهم إلى غير ذلك مما يشير إلى أنافة قدره العلي عنده.. ومن تأمل القرآن العظيم وجده طافحا (ممتلأ) بتعظيم الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، ويرحم الله ابن الخطيب الأندلسي حيث قال:

              مدحتك آيات الكتاب فما عسى          يثني على علياك نظم مديحي
              وإذا كتاب الله أثنى مفصحا             كان القصور قصار كل فصيح

وقال آخر:

            أرى كل مدح للنبي مقصرا                وإن سطرت كل البرية أسطرا
            فما أحد يحصي فضائل أحمد              وإن بالغ المثني عليه وأكثرا
            إذا الله أثنى بالذي هو أهله كفاه            بذا فضلا من الله أكبرا 
           وفي سورة الأحزاب صلى بنفسه عليه     فما مقدار ما تمدح الورى (الخلق)

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة