شرف العلم ومقاصد العملية التربوية

0 920

انقضت إجازة الصيف وطويت صحيفتها (أو كادت)، وأغلق كتابها، حاملة بين طياتها شهادة لنا أو علينا. وبدأت صفحة جديدة بعودة أبنائنا وبناتنا إلى مقاعد دراستهم وبدا معها عام دراسي جديد نسأل الله أن يجعله يسيرا على الآباء والأبناء، والمعلمين المعلمات، وجميع المشاركين في العملية التربوية، وأن يوفق الجميع إلى مرضاته والقيام بالواجب المنوط بهم والحق المطلوب منهم.

ونحب أن نشارك بهذه المناسبة بالتذكير بأمرين:
الأول: فضل العلم في الإسلام وشرف أصحابه.
الثاني: مقاصد العملية التعليمية والتربوية.

أولا: فضل العلم في الإسلام وشرف أصحابه.
اقرأ.. بهذا الأمر افتتح الإسلام رسالته، وبدأ الوحي رحلته، ونزل جبريل بأول أنوار الوحي الكريم والقرآن العظيم، ليدل من أول كلمة على أن هذا الدين هو دين العلم والمعرفة والعقل والفهم جميعا.

وآيات الكتاب الحكيم، وأحاديث الرسول الكريم ومقاصد الشرع العظيم كلها تصب في اتجاه واحد لا يغيب عن عاقل، ولا يخفى على ذي سمع وبصر، أو ذي وعي وفهم.. أنه ما عظمت أمة العلم كما عظمته أمة الإسلام، ولا أكرم أهله في دين كما أكرموا في هذا الدين، ولا عظم ذكرهم في كتاب كما عظم في القرآن الكريم، ويكفي العلم فخرا أن تكون أول سورة نزلت تحث على القراءة والكتابة بالقلم، وهما من أهم الوسائل الموصلة إلى المعرفة والثقافة وحفظ العلوم.

لقد رفع الإسلام والقرآن قدر العلماء، وأثنى ربنا عليهم فقال: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)[المجادلة:11]. واستشهد بهم على أعظم مشهود عليه وهو توحيده وإخلاص الدين له: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم)[آل عمران:18]. وميزهم الله على غيرهم فقال: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)[الزمر:9]. وهو استفهام استنكاري إجابته بالطبع لا، لا يستوي العلماء مع الجهال، فالعلماء هم أهل الخشية لله وأهل الدلالة عليه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)[فاطر:28]. (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله)[الأحزاب:39]. وما طلب الله من رسوله أن يسأله الاستزادة من شيء إلا من العلم فقال: {وقل رب زدني علما}.

السنة والعلم:
وفي السنة من حديث معاوية رضي الله عنه: [من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين].
ومن حديث أبي هريرة: [ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة]. [رواه أبو داود والترمذي]. وفي الحديث: [وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع].

ومن حديث أبي أمامة رضي الله عنه: [فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير][رواه الترمذي، وصححه الألباني].

وإنما استحق أهل العلم هذا الثناء والدعاء من أهل السماء والأرض ومخلوقات البحور والجحور لأن العلم وسيلة إلى كل فضيلة، والاشتغال به من أفضل القربات وأجل الطاعات وأكبر العبادات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات.
قال أبو الدرداء: "مدارسة العلم ساعة أحب إلي من قيام ليلة".
وقال الشافعي وغيره: "مدارسة العلم أولى من صلاة النافلة".

ذلك أن العلم دليل الإيمان، به يطاع الله وبه يعبد، وبه يوحد وبه يمجد، وبه يتورع وبه توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، وهو إمام والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء.

العلم شرف لأهله
العلم شرف لأهله، وزينة لأصحابه. قال عمرو بن الحارث: "الشرف شرفان: شرف العلم، وشرف السلطان، وشرف العلم أشرفهما". وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل مصيره.

قال علي بن أبي طالب لكميل بن زياد: "العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم حاكم والمال محكوم عليه ، والمال تذهبه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق".
ما الفضل إلا لأهل العـلم إنهم .. ..  على الهدى من استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه .. ..  والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففـــز بعــلم تعـش حيا به أبـدا .. .. الناس موتى وأهل العلم أحياء

رب ميت قد صار بالعلم حيا.. ... ..ومبقى قد حاز جهلا وغيـــــا
فاقتنوا العلم كي تنالوا خلودا.. ... ..لا تعدوا الحياة في الجهل شيا

ثانيا: مقاصد العملية التعليمية والتربوية
السنة الدراسية سنة طويلة، وليس المقصود منها العملية التعليمية وفقط، وإنما هي عملية تعليمية تربوية في آن، ولذا سميت تربية وتعليم: فهي ليست عملية حشو معلوماتي في عقول الأبناء بقدر ما هي قيام على النشء والاعتناء به حتى يبلغ الكمال.
فهي في الحقيقة تعاهد للجيل المسلم بالإصلاح في عقله وقلبه، وفي علمه وعمله، وفي دينه وخلقه، وفي علاقته بربه وعلاقته بمجتمعه ووطنه علاقته مع كل من حوله.

إن العملية التعليمية التربوية باختصار شديد هي وظيفة صناعة الرجال، وصياغة العقول، وصيانة السلوك، ليكون الإنسان قادرا على مسيرة حسنة، وفق أهداف نبيلة وغايات سامية.

وعليه، فاختيار المناهج التعليمية هي أخطر جزء في العملية الدراسية والتربوية، فهي لباس يفصل على قامة الأمة ليعكس حقيقتها وملامحها، حقيقتها في الباطن، وملامحها في الظاهر. وهذا أهم دور يؤديه القائمون على العملية التربوية والتعليمية في أي بلد كان، وهو اختيار المنهج الأمثل الذي يتوافق مع أهدافها ودورها في الحياة؛ حتى يمكن أن تؤتى الدراسة ثمارها المرجوة وتحقق المقاصد المنوطة بها؟

اختلاف المقاصد باختلاف الغايات
كل أمة تهدف من التعليم أغراضا ومنافع، وتقصد من ورائه إلى غايات ومقاصد، وتختلف هذه الغايات والمقاصد باختلاف ثقافة كل أمة، ونحن المسلمين إذا أردنا حياة كريمة سليمة ينبغي أن تكون لنا أهدافنا وغاياتنا التي تتلاءم مع وظيفتنا في استخلاف أرض الله تعالى. وأهم هذه المقاصد:
* تعبيد الناشئة لربهم وخالقهم ومعبودهم، وتعريفهم إياه، وربط قلوبهم به.

* إخراج أجيال تحمل عقيدة سليمة، ومفاهيم صحيحة، ومنهج رباني، يتحقق فيه قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)[الأنعام:162].

* إقامة أجيال مملوكة الفكر والمشاعر لخالقها، تابعة بالثقافة والتصور لدينها قلبا وقالبا.

* تعميق المبادئ العليا والمثل الفضلى ومكارم الأخلاق في قلوب الناشئة، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، مع حماية الجيل من كل فكر دخيل، أو دعوة هدامة، أو خلق ذميم، أو لفظ قبيح، أو ممارسة فاضحة..

* بناء جيل متمكن علميا ومتحضر ثقافيا يعمل لرفعة دينه ودنياه وعز أمته.

فما أحوج الأمة أن تعود إلى بيتها، فترتبه من داخله، وتعتمد سياسة تربية وتعليم وتثقيف تتفق مع كيانها الإيماني وشخصيتها الإسلامية ومسؤوليتها الوجودية، وتترقى بأبنائها ليكونوا على قدر مسؤولية قيادة البشرية علما وعقيدة وأخلاقا.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة