أبْشِرْ ، أبْشِروا ، بشِّرُوا

0 701

البشارة والتبشير بالخير يشرح الصدر والقلب، ويبعث على التفاؤل والعمل، وهو منهج رباني وهدي نبوي، وقد أمر الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {فبشر عباد}(الزمر: 17). ومن الثابت والمشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من قوله لأصحابه: "أبشروا، بشروا، أبشر"، ويأمرهم بنشر البشر والتفاؤل بين الناس، والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف والأحاديث الدالة على ذلك، ومنها :

ـ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سددوا وقاربوا، وأبشروا، فإنه لن يدخل الجنة أحدا عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمته) رواه البخاري.
ـ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي فقال: أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقا دخل الجنة، فخرجنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم نبشر الناس) رواه أحمد وصححه الألباني.
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا) رواه البخاري. قال ابن حجر في "فتح الباري": "(وأبشروا): أي بالثواب على العمل الدائم ـ وإن قل ـ، والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل، بأن العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره، وأبهم (أخفى) المبشر به تعظيما له وتفخيما".
ـ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا إلى اليمن، فقال لهما: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا) رواه مسلم، قال القاضي عياض: "فيه ما يجب الاقتداء به من التيسير فى الأمور، والرفق بالناس، وتحبيب الإيمان إليهم، وترك الشدة والتنفير لقلوبهم، لا سيما فيمن كان قريب العهد به".

ـ لما قدم أبو عبيدة رضي الله عنه بمال من البحرين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذهب بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ليعطيهم منه فقال لهم: (أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله! ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم) رواه البخاري.

ـ عن أم العلاء عمة حزام بن حكيم الأنصاري رضي الله عنها قالت: عادني (زارني) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال: (أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب خطاياه، كما تذهب النار خبث الحديد) رواه أبو داود وصححه الألباني. وفي "المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود": "وفي الحديث دلالة علي مشروعية عيادة الرجل للمرأة المريضة, لكن محله إذا لم تؤد إلى خلوة بأجنبية. وعلي أنه ينبغي للعائد أن يبشر المريض بتكفير ذنوبه فإن في ذلك تسلية لقلبه". وعن سعيد بن وهب قال: كنت مع سلمان رضي الله عنه وعاد (زار) مريضا، فلما دخل عليه قال: "أبشر، فإن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة".

ـ وفي غزوة تبوك لما نزلت الآيات القرآنية التي بينت توبة الله عز وجل على الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزوة بغير عذر شرعي ـ وكان منهم كعب بن مالك ـ، يقول كعب رضي الله عنه: (سمعت صوت صارخ يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشر، فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج)، فلما ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور: (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) رواه مسلم.

ـ وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر، فقال: قد أكثرت علي من أبشر. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال: رد البشرى فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه، ومج (رمى) فيه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا، فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة رضي الله عنها من وراء الستر: أن أفضلا لأمكما (تعني نفسها لأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم)، فأفضلا لها منه طائفة (بقية)) رواه البخاري. وفي رواية في صحيح مسلم: ("ألا تنجز لي يا محمد! ما وعدتني).
قال ابن حجر في "فتح الباري": (أبشر): أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر..، (ألا تنجز لي ما وعدتني): "يحتمل أن الوعد كان خاصا به، ويحتمل أن يكون عاما، وكان طلبه أن يعجل نصيبه من الغنيمة فإنه صلى الله عليه وسلم كان أمر أن تجمع غنائم حنين بالجعرانة، وتوجه هو بالعساكر إلى الطائف، فلما رجع منها قسم الغنائم حينئذ بالجعرانة فلهذا وقع في كثير ممن كان حديث عهد بالإسلام استبطاء الغنيمة واسنتجاز قسمتها". وقال ابن هبيرة: "والحديث فيه أن الرجل إذا طلب منه حاجة أن يقول: أبشر"، وقال النووي: "في الحديث: فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة رضي الله عنهم، وفيه استحباب البشارة".

كلمة "أبشر"، لها مفعول جميل في القلوب، فهي تزرع الأمل، وتمسح عن الإنسان غبار اليأس، وتحثه على الطاعة، وتحفزه إلى الخير، وتكسبه الرضا، وتفتح له باب التوبة، وتأخذ بيده إلى الله عز وجل.. والمتأمل في السيرة النبوية يجدها نبعا ثريا لكل الأخلاق العظيمة، والصفات النبيلة، والشمائل الطيبة، ومن ذلك البشر والتفاؤل الذي كان يتحلى به نبينا صلى الله عليه وسلم ويغرسه في أصحابه ويأمرهم بنشره بين الناس، ومن ثم ففي التبشير والبشارة بالخير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يكثر من قوله لأصحابه: "أبشروا "بشروا"، "أبشر".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة