احذر مصاحبة اللئيم

0 1805

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:
يقول القائل:
واحذر مصاحبة اللئيم فإنه     يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب

فاللئيم دنيء النفس خسيس الطبع شحيح لا يحفظ عهدا ولا يذكر ودا، وهو شخص اجتمعت فيه كثير من خصال الشر والصفات السيئة، ومنها: الظلم للضعيف، وقلة المروءة، والكبر، والخيانة، وغيرها من الصفات التي لا تليق بالكريم، قال الجاحظ: (ومن صفة اللئيم: أن يظلم الضعيف، ويظلم نفسه للقوى، ويقتل الصريع، ويجهز على الجريح، ويطلب الهارب، ويهرب من الطالب، ولا يطلب من الطوائل إلا ما لا خطار فيه...).
قال بعض الحكماء: (اللئيم كذوب الوعد، خؤون العهد، قليل الرفد، وقالوا: اللئيم إذا استغنى بطر، وإذا افتقر قنط، وإذا قال أفحش، وإذا سئل بخل، وإن سأل ألح، وإن أسدي إليه صنيع أخفاه، وإن استكتم سرا أفشاه، فصديقه منه على حذر، وعدوه منه على غرر).

قال ابن القيم رحمه الله: (وأما اللئيم فإنه يصبر اضطرارا؛ فإنه يحوم حول ساحة الجزع، فلا يراها تجدي عليه شيئا، فيصبر صبر الموثق للضرب، وأيضا فالكريم يصبر في طاعة الرحمن، واللئيم يصبر في طاعة الشيطان، فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم وشهواتهم، وأقل الناس صبرا في طاعة ربهم، فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر، ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء، ويصبر في تحمل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه، ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة ربه، ويصبر على ما يقال في عرضه في المعصية، ولا يصبر على ما يقال في عرضه إذا أوذي في الله، بل يفر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية أن يتكلم في عرضه في ذات الله، ويبذل عرضه في هوى نفسه ومرضاته، صابرا على ما يقال فيه، وكذلك يصبر على التبذل بنفسه وجاهه في هوى نفسه ومراده، ولا يصبر على التبذل لله في مرضاته وطاعته، فهو أصبر شيء على التبذل في طاعة الشيطان ومراد النفس، وأعجز شيء عن الصبر على ذلك في الله، وهذا أعظم اللؤم، ولا يكون صاحبه كريما عند الله ولا يقوم مع أهل الكرم إذا نودي بهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ليعلم أهل الجمع من أولى بالكرم...).

وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم أهل القرية الذين أعرضوا عن ضيافة موسى والخضر عليهما السلام، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل لرأى العجب... فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما".(الحديث رواه مسلم).
قال القرطبي: (والمراد به هنا: أنهما سألا الضيافة، بدليل قوله تعالى:{فأبوا أن يضيفوهما} (الكهف:77) ؛ فاستحق أهل القرية أن يذموا، وينسبوا إلى اللؤم كما وصفهم بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم).

واللئيم يتبع الهفوات ويعرض عن الحسنات:
قال الغزالي: (والطبع اللئيم يميل إلى اتباع الهفوات والإعراض عن الحسنات، بل إلى تقدير الهفوة فيما لا هفوة فيه بالتنزيل على مقتضى الشهوة ليتعلل به، وهو من دقائق مكايد الشيطان).
ويصدق فيه قول القائل:
وما بال أقـوام لـئام لـيس عـندهـم    عـهـد وليس لهم دين إذا ائتمنوا
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا    منا وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سـمعوا خـيرا ذكـرت به     وإن ذكـرت بسـوء عندهم أذنوا

مخالطة اللئيم تفسد الشيم:
إن مخالطة اللئام بالغة الضرر؛ إذ الطبع يسرق من الطبع وقد قال بعض البلغاء: صلاح الشيم بمعاشرة الكرام، وفسادها بمخالطة اللئام.
وقال إبراهيم بن شكلة: (إن لكل شيء حياة وموتا، وإن مما يحيي الكرم مواصلة الكرماء، وإن مما يحيى اللؤم معاشرة اللئام).

فاحذر أيها الكريم مخالطة اللئام فإنه لا يرتجى خيرهم ولا يؤمن شرهم
إن اللئيم وإن أراك بشاشة    فالغيب منه والفعال لئيم

نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الخلق وأن يعيذنا من مساوئ الأخلاق ، وأن يرزقنا صحبة الصالحين الكرام، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للاستزادة: راجع موسوعة نضرة النعيم

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة