الإعلام.. وإسلامفوبيا الداخل

0 780
  • اسم الكاتب:د. رضا أمين

  • التصنيف:الإعلام

انتشرت في الآونة الأخيرة موجات هجوم على الدين الإسلامي من بعض وسائل الإعلام العربية، طال بعضها بعض أئمة الفقه السابقين، الذين قدموا للأمة تراثا قيما من الفقه المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وطال بعضها بعض أئمة الحديث كالإمام البخاري، الذي اتهم بأنه نقل روايات عن الصحابة تشكك في بعض سور القرآن الكريم، وافتراءات من هذا القبيل، والبعض الآخر طال بعض رموز الصحابة وأمهات المؤمنين، وصولا إلى المناداة بتنقية السنة النبوية مما لا يتناسب مع العصر، بل ودعا البعض إلى مراجعة بعض آيات القرآن ودراسة مدى مناسبتها للتدريس في المدارس النظامية بمراحلها المختلفة.

والهجوم على الإسلام ورموزه إن أتانا من الغرب - سواء كان من بعض المستشرقين، أو من بعض كتاب الصحف، أو مما سواهما – فهو أمر معتاد؛ لأن الدين لم يسلم من السهام التي توجه إليه منذ أن شع نوره في الأرض، ومنذ أن خاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم محددا النطاق الجغرافي للدعوة الإسلامية، فقال: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107].

والمتأمل في الآية الكريمة السابقة يدرك للوهلة الأولى أن الإسلام لم يأت لمجرد السيطرة على الأرض، أو لبسط نفوذه وسيطرته عليها بالقوة والإخضاع، وإنما هدفه أن تنتشر الرحمة والعدل ربوع هذه الأرض دون جور أو عدوان، والتي من أعظم معلامها عبادة الله وحده، وهو المعنى المتضمن لتقديم الغاية من إرسال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على تحديد المرسل إليهم، وقصر غاية الرسالة في نشر التراحم والسلام بين بني البشر جميعا.

لكن الهجوم على الإسلام في عقر دارنا، وعبر أثير إعلامنا وشاشاتنا، وعلى صفحات صحفنا - هو أمر مستنكر مستقبح، ولا بد أن يقف أهل العلم وأولو الأمر في وجهه؛ حتى لا تنتشر هذه الموجة وتتمدد في فراغنا الإعلامي الذي يحاول البعض أن يملأه بغث القول وسقيم الكلام، فلا يمكن استغلال بعض الأحداث السياسية ذريعة للهجوم على خاتم الأديان السماوية، ولا يتصور أن يكون إخفاق بعض منتسبي هذا الدين العظيم في المجال السياسي أو الاقتصادي حجة للنيل من الدين ذاته، ومحاصرة شعائره والسخرية منها في بعض الأحيان.

إن اعتناق بعض منتسبي الدين الإسلامي للأفكار المتطرفة لا يعني أن الدين متطرف، وإلا فجماعات كثيرة تنتسب لأديان وأفكار أخرى أشد تطرفا وتفلتا، فلا يمكن إطلاق الأحكام العامة انطلاقا من تصورات خاطئة من البعض لنصوص الدين الحنيف، كما أن إخفاق ما يعرف عند أهل السياسة بجماعات الإسلام السياسي ليس مبررا لإطلاق حملات التخويف من الدين تحت ستار تخويف المجتمعات من التشدد أو الإرهاب.

إن الخوف من الإسلام وتمدده في الغرب أو ما يعرف بـ (الإسلاموفوبيا) أدى إلى اضطهاد الكثير من الأقليات المسلمة في العالم، وأدى كذلك إلى تنامي ظاهرة العنصرية والكراهية ضد المسلمين ومساجدهم في الغرب، وبلغ ذروته في خروجهم للتظاهر في بعض الدول الغربية ضد ما أسموه (أسلمة أوربا).

وتعمل كثير من المؤسسات على الحد من ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب عن طريق إبراز الملامح الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف، وتصحيح الصورة المشوهة بفعل الإعلام ومغالطاته، وبفعل بعض مناهج التعليم الغربية التي لا تزال تقدم العربي المسلم على أنه مصاص دماء عاشق للنساء، لكن حملات التخويف (الداخلية) من الإسلام ربما تنسف كل الجهود التي تبذل للحد من ظاهرة (الإسلاموفوبيا) في الخارج، فكيف نرسل رسائل التطمين للآخر، ونحن نرهب مجتمعنا من الدين، ونترك لبعض الألسنة العنان لتتجرأ على ثوابته.

إن خطورة إسلاموفوبيا الداخل أنها تكرس الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام والمسلمين في الخارج، وتستغل كدليل مساند لموجات الكراهية في الغرب للإسلام والمسلمين، وربما تشكك بعض ضعاف النفوس في العقيدة؛ نظرا لانتشار نسبة الأمية والوعي لدى قطاعات كبيرة في مجتمعاتنا!

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة