- اسم الكاتب:اسلام ويب
- التصنيف:اقرأ في إسلام ويب
من الله تعالى على البشرية بمنة عظيمة وهي إرساله –عز وجل- إليهم الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين يخرجونهم من الظلمات إلى النور بإذن الله تعالى، لئلا يكون لهم حجة بعد الرسل، فهم الذين يقودون موكب البشرية للإيمان والحق، وحولهم –عليهم صلوات الله وسلامه- رجال ينشرون دعوتهم من بعدهم، ويأتي في طليعة أولئك الرجال، الرجال الذين كانوا حول رسول الله - ﷺ -، فهم خير الناس بعد الأنبياء و المرسلين علما وعملا وتصديقا وصحبة لرسول الله - ﷺ -، وجهادا في سبيل الله والدعوة إلى دينه، وسبقا إلى كل خصلة جميلة، فبلغوا الغاية في العلم والفضل والمعروف منزلة لم يبلغها أحد قبلهم ولا بعدهم، اصطفاهم الله لتلقي التنزيل، وصحبة النبي الكريم، والعمل بالدين القويم، فكانوا في جميع أمور حياتهم على الصراط المستقيم، فأثنى الله عليهم بحسن الإيمان، وسلامة المنهاج، وسداد القول، وصالح العمل، وكمال الخلق، وأخبر برضاه عنهم، ووعدهم بجنات النعيم، وقد اجتمع لهم تزكية الله تعالى وثناؤه، ومحبة نبيه - ﷺ - وذكره لفضائلهم .
وكان علماء الإسلام يؤكدون في كتب العقائد على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون فضلهم وأثرهم، مع الدفاع عن أعراضهم وحماية حياضهم، فهم بطانة رسول الله – ﷺ - وخاصته وحملة رسالته، فدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، ونالوا بذلك ذرى المجد والشرف والسبق للعلا بكل أسبابه، واستحقوا استمرار ذكرهم، وذكر فضائلهم إلى يوم القيامة استحقاقا تاما كاملا.
تعريف الصحابي
لغة: قال الفيروز آبادي: صحبه كسمعه، صحابة ويكسر، وصحبه: عاشره، وهم أصحاب وأصاحيب وصحبان وصحاب وصحابة وصحابة وصحب، واستصحبه: دعاه إلى الصحبة ولازمه. (القاموس المحيط).
واصطلاحا: قال ابن حجر –رحمه الله-:( وأصح ما وقفت عليه من ذلك، أن الصحابي من لقي النبي - ﷺ - مؤمنا به، ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه: من طالت مجالسته له أو قصرت، من روى عنه أو لم يرو عنه، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى).
ويدخل في تعريف الصحابي: كل من اجتمع بالرسول - ﷺ - ولو حكما، كالصبي في المهد، وأيضا من اجتمع به - ﷺ - مؤمنا به، ثم ارتد، ثم آمن ومات على الإيمان.
ويخرج من تعريف الصحابي: من أسلم في عهد النبي - ﷺ -، ولم ير النبي - ﷺ -، ولم يجتمع به، ومن أسلم ورأى النبي - ﷺ - إسلاما ظاهرا كالمنافقين، وأيضا من اجتمع بالنبي - ﷺ - غير مؤمن به، ثم آمن بعد موت النبي - ﷺ -، ومن اجتمع بالنبي - ﷺ - مؤمنا به، ثم ارتد بعد ذلك ومات مرتدا.
ومصطلح الصحبة: ورد في القرآن والسنة، ودليل ذلك قوله تعالى:" إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ". (التوبة: الآية 40)، وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله ﷺ: "لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه".(صحيح مسلم).
ولم يحدد العلماء عدد الصحابة بدقة، بل ذكروا أنهم يزيدون على المائة ألف صحابي، وكلهم لهم الفضل والسبق، إلا أنهم يتفاضلون فيما بينهم.
و قد وردت الكثير من الآيات الصريحة ، والأحاديث الصحيحة في فضائل الصحابة –رضي الله عنهم وأرضاهم- والثناء عليهم: قال الله عز وجل:" والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم". (التوبة: الآية 100)، وقال تعالى:"لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما ".(الفتح: الآيتان 18-19).
وورد في السنة عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- عن النبي - ﷺ - قال:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته". (رواه الشيخان)، وعن واثلة بن الأسقع الليثي عن النبي - ﷺ - قال:" لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رأى من رآني، وصاحب من صاحب من صاحبني". رواه الطبراني و صححه الألباني
وورد الكثير من أقوال السلف في فضل الصحابة، قال عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-:( إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد - ﷺ - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - ﷺ -، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيء). (مسند الإمام أحمد).
وعنه أيضا –رضي الله عنه- قال:( من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد – ﷺ -، كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم). (ابن عبدالبر: جامع بيان العلم وفضله).
حب الصحابة عقيدة و دين
إن من عقيدة أهل السنة والجماعة وجوب محبة أصحاب رسول الله - ﷺ -، وتعظيمهم وتوقيرهم وتكريمهم، والاحتجاج بإجماعهم، والاقتداء بهم، والأخذ بآثارهم، وحرمة بغض أحد منهم؛ لما شرفهم الله به من صحبة رسوله - ﷺ -، والجهاد معه لنصرة دين الإسلام، وصبرهم على أذى المشركين والمنافقين، والهجرة عن أوطانهم وأموالهم، وتقديم حب الله ورسوله - ﷺ - على ذلك كله،
وحبهم –رضي الله عنهم- دين يدان به، وقربى يتقرب بها إلى الله تعالى، إذ هو من أولى معاني الحب في الله، وموالاة أهل الإيمان التي أمر الله عز وجل بها، وقد دلت النصوص الكثيرة على وجوب محبتهم وحرمة بغضهم، فعن أنس –رضي الله عنه- عن النبي - ﷺ - قال:" آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار".(صحيح البخاري)، وعن عبدالله بن مغفل –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول:" الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه".(مسند الإمام أحمد).
قال الطحاوي –رحمه الله-:( ونحب أصحاب رسول الله - ﷺ -، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان).
وقال أيوب السختياني رحمه الله-:( من أحب أبابكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد استوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب عليا فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق). (اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة).
حرمة سبهم
ويحرم سب الصحابة رضي الله عنهم: قال الذهبي –رحمه الله-:( فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين، ومرق من ملة المسلمين، لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم، وإضمار الحقد فيهم، وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم وما لرسول الله - ﷺ - من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم؛ ولأنهم أرضى الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول، والطعن في الوسائط طعن في الأصل، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول، هذا ظاهر لمن تدبره وسلم من النفاق ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته).
وقال ابن عثيمين –رحمه الله-:( وفي الحقيقة إن سب الصحابة -رضي الله عنهم- ليس جرحا في الصحابة -رضي الله عنهم- فقط، بل هو قدح في الصحابة وفي النبي - ﷺ - وفي شريعة الله، وفي ذات الله عز وجل)(ابن عثيمين: شرح العقيدة الواسطية).
وقد توعد الله الذين يؤذون المؤمنين بقوله:" والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا". (الأحزاب : الآية 58)، وقال النبي ﷺ:" من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".(الألباني: صحيح الجامع)، وقال - ﷺ- :" لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدا أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه".(رواه الشيخان)، وسئل الإمام أحمد عمن يشتم أبابكر وعمر وعائشة –رضي الله تعالى عنهم- فقال:(ما أراه على الإسلام)، وسئل عمن يشتم عثمان، فقال رحمه الله:( هذه زندقة). (مسائل العقيدة للأحمدي)
أيها القارئ المبارك:
إن منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الصحابة –رضي الله عنهم- محبتهم بالقلب، والثناء عليهم باللسان، والاعتقاد بأنهم خلفاء النبي – ﷺ - بعد موته في الأمة، في العلم والعمل والدعوة، والأمر والنهي، والجهاد والأخلاق، والتلقي عنهم والتأسي بهم، والترحم عليهم، والاستغفار والدعاء لهم تحقيقا لقوله تعالى:" والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم". (الحشر: الآية 10)، ووجوب اتباعهم استجابة لقوله تعالى:"ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا".(النساء: الآية 117)، وقال تعالى:" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين".(يوسف: الآية108).