- اسم الكاتب:تلخيص من كتاب \"مباحث في العقل\" لمحمد نعيم ياسين
- التصنيف:المركز الإعلامي
تكلم ابن فارس صاحب كتاب (مقاييس اللغة) عن أصل كلمة العقل عند العرب، واشتقاقها، تكلم كلاما طويلا إلى أن وصل لتعريف للعقل عند العرب، حيث قال: العقل "هو الحابس عن ذميم القول والفعل".
ومعناه أن معظم ما يؤخذ من هذا الأصل(العين والقاف واللام) أو يشتق منه يرجع بصورة أو بأخرى إلى معنى المنع والإمساك والضبط والحفظ، وضده الإطلاق والإرسال والتسيب.
وما ذكره ابن فارس يكاد يظهر في كثير من الألفاظ المشتقة من هذه الأصل، من ذلك قولهم : عقلت البعير؛ إذا ثنيت ذراعه وشددتها بالحبل( العقال) فمنعته ، وحبسته من الحركة الطليقة، واعتقل لسانه ؛ إذا حبسه عن فضول الكلام، واعتقلت الرجل أي حبسته ،والمعقل: الملجأ الذي يمنع العدو من الدخول والولوج إليه.
وسمت العرب دية المقتول (عقلا) لأن الإبل التي تجمع للدية كانت تعقل بفناء بيت المقتول.
فهذه استعمالات يظهر فيها معنى الحبس والمنع والإمساك بوضوح.
ولقد توسع العرب في استعمال هذه الكلمة ومشتقاتها فقالوا في المرأة العفيفة المصونة (عقيلة) قال الخليل الفراهيدي: "سميت المرأة الكريمة بذلك لأنها عقلت في خدرها".
ولما كان أعز ما خلق في الإنسان، هو ذلك الجزء المعنوي الذي يضبط أخلاق الإنسان وتصرفاته سموه (عقلا) لأنه يمنع صاحبه ويحبسه عن سيء الفعل والقول؛ وهذا المعنى أشار إليه معظم أصحاب المعاجم اللغوية.
ويفهم من حاصل معطياتهم أن الذي يسمى عقلا في الإنسان هو: ما يحبسه عن الشر فعلا وقولا، ولا يسمى عقلا ما حبس الإنسان عن فعل الخير؛ ولذلك قال بعضهم: العقل ضد الحمق ونقيض الجهل.
والحمق في الأصل معناه الفساد والنقصان، فالإمساك المسمى عقلا عند أهل اللغة هو: الإمساك عن الشر، وقد فسر بعضهم ذلك بأن الشرور مستلذات البدن وملائمات الشهوة؛ وأما الخيرات فهي مشاق وتكاليف، ومخالفات الهوى.
فالإمساك عن الخير حقيقته: استرسال وانطلاق واستجابة لدواعي الهوى، فلا ينسب إلى العقل.
وقد يطلق العقل ويراد به الفهم والتدبر، أو يطلق على العلم مطلقا أو على العلم بصفات الأشياء من حسنها ،وقبحها ،وكمالها ،ونقصانها، أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين كما ورد في القاموس المحيط.
ويلاحظ أن الإطلاق اللغوي للعقل قد لوحظ فيه عند واضعي اللغة أثاره في تصرفات الإنسان وأحواله، من إمساك عن القبائح والشرور، أو علم لحقائق الأمور وفهمها، أو هيئة محمودة للإنسان في كلامه وحركاته، وهذا هو المتوقع في منهج الوضع اللغوي، إذ كانت المسميات من الأشياء الباطنة التي لا يوقف عليها بحس، حيث يلاحظ فيما يوضع لها من الألفاظ والأسماء آثارها الملموسة أو ما تستلزمه هذه الآثار، ولا يلحظ ماهيتها وحقائقها.
وأما ما ورد في بعض المعاجم من أن العقل هو القلب ، والقلب هو العقل، فلأن القلب هو آلة التعقل ،وحامل غريزة العقل، وأصله في القرآن [إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد] ، وهو أطلاق مجازي أطلق فيه المحل وأريد الحال وهو مجاز مرسل .
وإذا كان العقل مصدرا أصليا في لغة العرب ، فإن ذلك يدل على أنهم اعتبروه شيئا معنويا ، وليس ذاتا أو جوهرا أو جسما، إذ المصدر عندهم اسم لمعنى وليس اسما لذات.
وأما العاقل في اللغة، فلم يفصل العلماء فيما يطلق عليه، لوضوح المراد به، وأنه الشخص الذي يوجد عنده العقل بالمعنى الذي مضى معنا، ومع ذلك نجد ابن الأنباري يقول: "رجل عاقل: هو الجامع لأمره ورأيه، وينقل قولهم : العاقل : هو الذي يحبس نفسه عن هواها"
والخلاصة أن العرب تطلق العاقل على من يتصف بالعقل؛ وأن العقل عندهم وصف مجرد أو معنى مجرد يحمل صاحبه على المكارم ويحجزه عن كل ما يشينه.