أطفالنا.. بين التربية بالقول والتربية بالقدوة

0 1286

أكثر الآباء والأمهات يركزون على التربية اللفظية من خلال التوجيه الكلامي، بينما هم يربون أبناءهم بتأثير أكثر وأكبر من حيث لا يشعرون من خلال التربية غير اللفظية، وهو ما يعبر عنه (بلغة الجسد) من خلال النظر والإشارة، تعابير الوجه وحركة الجسد واللباس والرائحة واللمس، فالجسد يتكلم ويوجه ويربي أكثر من اللسان، ولهذا نجد أن كثيرا من الآباء والأمهات يستغربون من سلوكيات أبنائهم ويقولون إنهم لا يعرفون أين تلقوا هذه التربية الخاطئة، بينما لو راجعوا أنفسهم وسلوكهم ولغة أجسادهم لاكتشفوا أنهم هم السبب؛ فالتربية غير اللفظية تؤثر بالقيم والسلوك أكثر من التربية اللفظية.

وأذكر أن أما سألتني عن سبب كثرة عصبية ابنها بينما هي توجهه دائما بلسانها بألا يغضب، ولا تجد لتوجيهها أي فائدة؟
فسألتها: كم مرة تغضبين باليوم؟ قالت: أنا عصبية لكن ليس على ابني.
وقلت لها: عندما تغضبين بالهاتف على صديقتك أو ترفعين صوتك على العاملة التي عندك بالبيت أو تتوترين عندما يتأخر عليك الطعام بالمطعم، ويشاهد ابنك سلوكياتك العصبية هذه تكوني أنت قد أعطيتيه درسا عمليا بأن العصبية هي الطريق الصحيح للتعامل مع أحداث الحياة، فأنت ربيتيه بسلوكك وبلغة جسدك وهو الذي نسميه الحوار غير اللفظي. وهذا تأثيره كبير جدا، فقد ذكر خبراء التواصل أن الإنسان يتأثر بلغة اللفظ بنسبة 35% بينما يتأثر باللغة غير اللفظية بنسبة 65%.

فعلينا أن ننتبه لسلوكنا ونركز عليه أكثر من تركيزنا على كلامنا، فالأب الذي يخبر أبنه بأنه ذاهب للطبيب بينما هو ذاهب للسوق أو عند أصدقائه، فإن طفله يستطيع أن يقرأ وجهه ويعرف أنه يكذب عليه وبالتالي يفقد الثقة به.

فالطفل مثل الإسفنجة يلتقط كل شيء، ويتشكل سلوكه بما يشاهد.. فلو نشأ في بيت يشاهد كل يوم والده يدخن أمامه ففي هذه الحالة مهما علمناه بلساننا بأن التدخين مضر يبقى تأثير لسان الحال والمقال والسلوك أكبر.

ولو راجعنا أنفسنا لاكتشفنا أننا ربينا أبناءنا على قيم كثيرة لم نشعر أننا وجهناهم لها بسبب تركيزنا على التربية اللسانية بالكلام أكثر من مراقبة لغتنا غير اللفظية.

إننا نربي أبناءنا بسلوكنا أكثر منها بلساننا، فالتربية كما قيل بالاحتكاك والمشاهدة وليست بالكلام فقط.
وفي دراسة نشرتها صحيفة الشروق اللندنية جاء فيها: "إن حس الفكاهة يتطور لدى الأطفال الرضع لما يرونه من ردود أفعال آبائهم".
وفي دراسة أخرى: (إن الأطفال إلى سن 12 شهرا يستطيعون أن يكونوا رأيا لما يشاهدونه بسبب دقة مراقبة والديهم لأي حدث هل هو يستحق الفكاهة أم لا)... فإذا كان هذا على مستوى الفكاهة والمرح وعمر الطفل لم يتجاوز السنة فكيف بباقي السلوكيات؟
مثل هذا يقال في قيم الاحترام والتعبير عن الحب والاعتذار عند الخطأ وعدم الاستهزاء بالآخرين.. كل ذلك يتعلمه الطفل من خلال الحوار غير اللفظي أكثر مما يتعلمه من الحوار اللفظي.

ومن يتأمل سيرة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الصغار يكتشف أنه عليه الصلاة والسلام كان يعطي الصغير حقه ويحترمه ويقدره ويتعامل معه كأنه شخص كبير، فلا يفرق بينه وبين الكبار في المعاملة، وإنما ينظر إلى الحق قبل السن، ويقدم الحق على العمر؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه لو ظلم الصغير من أجل الكبير فإنه سيترتب على ذلك نشأة جيل يرى أن حقوقه مغتصبة فينتقم هذ الجيل من الكبار ومن المجتمع كله؛ ولهذا كان الرسول الكريم يربي الصغار من خلال المواقف العملية بالإضافة إلى استخدام التوجيه اللفظي في العملية التربوية.

وقد كان لنا القدوة في قصته مع ابن عباس حينما أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه ابن عباس وكان غلاما صغيرا، وعن يساره أشياخ كبار، فاستأذن أبن عباس أن يعطي الكبار. فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا.. فبدأ به وأعطاه لأن هذا حقه.

فهذا ما نتمنى أن نصل إليه في تربيتنا لأبنائنا، أن نربي بسلوكنا ثم ندعم ذلك بالحوار والكلام.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة