مراحل فرض الصلاة في السيرة النبوية

0 490

تأكدت أهمية ومنزلة الصلاة في الإسلام أثناء رحلة ومعجزة الإسراء والمعراج التي حدثت قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، فقد فرضها الله عز وجل في السماء السابعة على نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد تعددت روايات الإسراء والمعراج في السيرة والأحاديث النبوية الصحيحة، تشير كل رواية منها إلى جزء أو جانب من هذه الرحلة المباركة، ومن هذه الروايات ما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (.. ثم رفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، فأوحى الله إليه ما أوحى، وفرضت عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فأوصاه موسى عليه السلام أن يعود إلى ربه يسأله التخفيف، فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يفعل حتى أصبحت خمسا بدل الخمسين.. وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، فصلى بالمسجد الأقصى صلاة الصبح إماما والأنبياء خلفه). وقد أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس لم تفرض إلا في هذه الليلة، قال ابن كثير: "فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا". وقال ابن رجب: "وقد أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت ليلة الإسراء".

تحديد أوقات الصلوات :

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس فقال: قم يا محمد فصل الظهر حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح فقال: قم يا محمد فصل، فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله فقال: قم يا محمد فصل، فصلى الظهر، ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه فقال: قم يا محمد فصل، فصلى العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يزل عنه فقال: قم فصل فصلى المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول فقال: قم فصل، فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جدا فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله) رواه النسائي وصححه الألباني.
وذكر عبد الرزاق في مصنفه، وابن إسحاق في سيرته، وابن حجر في فتح الباري أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة. وقال القرطبي: "ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها"، وقال ابن تيمية: "بيان جبريل للمواقيت كان صبيحة ليلة الإسراء".

الصلاة قبل الإسراء والمعراج:

الصلاة كانت معروفة عند الصحابة من قبل ليلة الإسراء والمعراج، ولذلك لما سأل هرقل أبا سفيان: ماذا يأمركم (أي النبي صلى الله عليه وسلم)؟ قال أبو سفيان ـ وكان ذلك قبل الهجرة النبوية من مكة ـ:(يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصدق، والعفاف) رواه البخاري. وكانت الصلاة ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وأما التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج فهي كونها خمسة فروض بحالتها المعروفة، قال ابن رجب: "وفيه دليل على أن الصلاة شرعت من ابتداء النبوة، لكن الصلوات الخمس لم تفرض قبل الإسراء بغير خلاف".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الأولى) رواه البخاري.
قال ابن حجر: "فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء يصلي قطعا, وكذلك أصحابه، لكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيء من الصلاة أم لا؟ فيصح على هذا قول من قال إن الفرض أولا كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها, والحجة فيه قوله تعالى: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها}(طه:130) ونحوها من الآيات". وقال أيضا: "فائدة: ذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة، إلا ما وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وذكر الشافعي عن بعض أهل العلم أن صلاة الليل كانت مفروضة ثم نسخت بقوله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر منه}(المزمل:20)، فصار الفرض قيام بعض الليل، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس. واستنكر محمد بن نصر المروزي ذلك وقال: "الآية تدل على أن قوله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر منه} إنما نزل بالمدينة لقوله تعالى فيها (في نفس الآية): {وآخرون يقاتلون في سبيل الله}(المزمل:20)، والقتال إنما وقع بالمدينة لا بمكة، والإسراء كان بمكة قبل ذلك". وما استدل به غير واضح لأن قوله تعالى: {علم أن سيكون}(المزمل:20) ظاهر في الاستقبال، فكأنه سبحانه وتعالى امتن عليهم بتعجيل التخفيف قبل وجود المشقة التي علم أنها ستقع لهم، والله أعلم".

وروى أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان أول ما افترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة: ركعتان ركعتان، إلا المغرب، فإنها كانت ثلاثا، ثم أتم الله الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا في الحضر، وأقر الصلاة على فرضها الأول في السفر). قال ابن حجر في فتح الباري: "يعارض حديث عائشة هذا حديث ابن عباس في صحيح مسلم قال: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين"، والذي يظهر لي وبه تجتمع الأدلة أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين، إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة إلا الصبح، كما روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي من طريق الشعبي عن عائشة رضي الله عنها قالت: فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب، لأنها وتر النهار. ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}(النساء:101)، فعلى هذا: المراد بقول عائشة رضي الله عنها: فأقرت صلاة السفر، أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف، لا أنها استمرت منذ فرضت".

صلوا كما رأيتموني أصلي :

كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها، علمها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت فى كثير من الأحاديث النبوية, ومن ذلك ما رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمني جبريل عليه السلام (صلى بي إماما) عند البيت (الكعبة) مرتين). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه العبادة تارة بالقول، وتارة بالفعل، وتارة بهما معا، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحج: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم، وقال في الوضوء: (من توضأ نحو وضوئي هذا) رواه مسلم، وقال في الصلاة: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، قال المباركفوري: "قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) أي في مراعاة الشروط والأركان والسنن والآداب". ومن المعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة لنا في عباداته وأخلاقه، وأقواله وأفعاله، وجميع أحواله، قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب:21)، قال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله".

من خلال مراحل فرض الصلاة ومعجزة ورحلة الإسراء والمعراج، ظهرت وتأكدت أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام، فقد فرضها الله عز وجل في السماء السابعة على نبيه صلى الله عليه وسلم مباشرة وبدون واسطة، وفي هذا اعتناء بها، وزيادة في تشريفها، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) رواه البخاري. وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها والقيام بها في السفر والحضر، والأمن والخوف، والسلم والحرب، والصحة والمرض، وهي أول ما يحاسب عليه المسلم يوم القيامة.. ولأهميتها كذلك فقد كانت من آخر الوصايا التي وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته قبل موته، فعن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها قالت: (كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه) رواه أحمد وصححه الألباني. قال السندي: "(الصلاة): أي الزموها واهتموا بشأنها ولا تغفلوا عنها".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة