معيار تقويم كتب التفسير

0 550

تتعدد الأسباب الدافعة إلى المفاضلة بين أهمية مؤلفات العلم داخل دائرة العلم ذاته، ولا سيما في باب التكوين العلمي في هذا العلم والتدرج في طلبه؛ حيث يحتاج الدارس إلى خارطة علمية متدرجة، تمكنه من حسن هضم العلم والترقي في معارفه، إلى أسباب أخرى متعددة تدعو لهذه المفاضلة.

وبالرغم من أهمية ذلك إلا أن المفاضلة بين جدوى المؤلفات في أحد العلوم تعد أحد أكثر الأعمال إرهاقا وصعوبة؛ ذلك أنها يوم تؤخذ بحقها وتجاوز ما يطرح من التوصيات العامة ببعض الكتب والمؤلفات، كالتي توجد في بعض برامج الترقي والتعلم بشكل عام؛ فإنها عمل شديد العنت، ولا يستطيعه كل أحد؛ نظرا لما تتطلبه من إلمام بالخرائط العامة للحركة العلمية في علم من العلوم، والإحاطة بتوجهاتها، والقراءة الواعية للنتاج الفكري فيه، والإمساك بمنطلقاته وركائزه الكلية، ومراحل تشكله وتكونه عبر التاريخ، وميز ما هو من قبيل الصلب منها وما هو من قبيل التبع، إلى غير ذلك مما يسهم بحق في تكوين معايير وأسباب علمية لها وجاهتها عند تصدير أحد المؤلفات باعتباره ذا أهمية في أحد ميادين المعرفة، وتحرير تلك الأهمية على نحو دقيق وسائغ.

وإذا كانت رؤية آفاق البحث في العلوم وأولوياتها تختلف من شخص لآخر؛ نظرا لاختلاف المنطلقات المنهجية التي ينطلق منها كل شخص، وكذا اختلاف التصورات التي لديه عن هذه العلوم، ثم أيضا اختلاف التجربة؛ من حيث الخبرة والمراس والمدارسة وسعة الاطلاع أو ضيقه؛ فإن الحكم على التصانيف وميز مراتبها في الفن، وتحديد أولوياتها ودرجات اعتبارها وأهميتها فيه - وليس بحسب حال مدى صلاحيتها ومناسبتها للأشخاص، أو غير ذلك من الأغراض مما يتسامح فيه - يبقى عرضة للتفاوت للأسباب ذاتها السالفة تقريبا، فهو أمر تتحكم فيه الرؤية العامة لعلم من العلوم، وطبيعة مراحله ودرجة الخبرة به وبمساراته ومسالكه؛ ومن ثم فإنه يظل بحاجة ماسة لوضع المعايير الضابطة له، حتى يخرج عن حد الذوق الشخصي، ويبتعد عن الطرح الهش غير القائم على رؤى عميقة، وتبصر دقيق بحال العلوم.

كيفية تحديد معيار المفاضلة بين قيمة مؤلفات العلم الواحد

إن هذا التفاوت والاختلاف في الحكم بالتفاضل بين التصانيف في العلوم، وقياس درجة أولويتها فيه، يقل بصورة كبيرة إذا ما تمكنا من تحرير بعض الأمور المهمة في العلم، والتي على رأسها دائرة (الصلب) و(التبع) فيه، والتي يمكن عبرها أن نوجد معيارا تقاس عليه، وتتحدد تبعا له بشكل عام القيمة النوعية للتصانيف في هذا العلم، والتي تستدعي المفاضلة بينها فيه؛ فالعلم كما يقول الشاطبي: "منه ما هو صلب، ومنه ما هو ملح، وما هو ما ليس من الصلب، ولا الملح" ولا شك أن القسم الأول منه هو الأصل والمعتمد، والذي عليه مدار الطلب، وإليه تنتهي مقاصد الراسخين، وذلك ما كان قطعيا، أو راجعا إلى أصل قطعي؛ ومن ثم كان ربط تفاضل التصانيف به في العلوم أمرا ظاهرا، وله وجاهته؛ إذ يمثل ربطا بالقيمة الجوهر في العلم، والأكثر أصالة ومركزية فيه، والأشد خطرا في درس مسائله وقضاياه.

إن أي علم متى جرى ضبط (صلبه) وميز أسه وقاعدته بصورة جلية ودقيقة عما هو من باب (التبع) أمكن بصورة كبيرة بناء معيار علمي محدد، يجري من خلاله ميز مراتب التصانيف في العلم، وقياس أهميتها فيه، بحسب مساسها بهذا الصلب وطبيعة جانب الاشتغال الذي تقوم عليه فيه.

أسباب المفاضلة وآليات بنائها

إن الناظر في كتب التفسير يلحظ أن بها عددا كبيرا جدا من التفاسير القديمة والحديثة، والتي تتفاوت في مادتها ومعلوماتها، وتتنوع في أغراضها ومقاصدها، فيجري تقسيمها وتصنيفها إلى اتجاهات وألوان متعددة؛ فمنها الأدبي، والبلاغي، والنحوي، والفقهي، والمقصدي، إلى غير ذلك من تلك التقاسيم، وكذا تختلف كتب التفسير في أحجامها؛ ما بين مطولات ومختصرات، وتتباين في مناهجها؛ ما بين معتمد على مقولات السلف، وراو لها، وما ليس كذلك، إلى آخر تلك الاختلافات الكثيرة والمتعددة، التي لا يخطئها الناظر بين مصنفات التفسير.

وكتب التفسير في جملتها تقوم على خدمة غرض رئيس، وهو محاولة تفسير القرآن الكريم وشرحه وبيان آياته؛ ومن ثم فإنها بهذه الصورة شديدة التنوع والتفاوت، تبدو مرهقة جدا في التعامل معها، ولا سيما للمقبل على تعلم علم التفسير، والراغب في دراسته من خلالها، وفق منهج علمي متدرج؛ ذلك أن الناظر لكتب التفسير، والراغب في فهم التفسير من خلالها، يجدها جميعا كتب تفسير، ويجمعها غرض التفسير ذاته؛ لذا فإنه يقف أمامها متحيرا جدا في معرفة الضابط الذي يرجع إليه في التعامل معها، وفي فهم الأسباب التي تجعل أيها أحرى بالتقديم في علم التفسير وفي معايشته واستيعابه وهضمه، وأكثرها نفعا في ذلك من غيره، وكذا المعايير التي تحدد أيها الأكثر عمقا في تكوين ملكة التفسير، وفي تخليق الدربة على ممارسته، وفي تشكيل القدرة اللازمة للتعامل معه، وأيضا المحددات المنهجية لاعتبار أي مسارات بعض التصانيف هي أحرى بالإقبال عليها وإدامة تأملها وإجالة البصر في مادتها، وأيها يكتفى فيه بقليل المطالعة والنظر...إلى آخر تلك التساؤلات التي لا تخفى أهميتها لكل مطالع وراغب في فهم التفسير والترقي والتدرج في طلبه من خلال مصنفاته.

إن كتب التفسير بالرغم من تفاوتها البين وتنوعاتها الكثيرة، تقوم على خدمة ذات الغرض؛ ولذا فإن الراغب في دراسة التفسير من خلالها يحتاج حتما إلى المفاضلة بينها - بحسب الأكثر نفعا منها في درس التفسير- لكي يتمكن من بناء خارطة طلب علم التفسير بوضوح منهجي محكم، حتى لا يطول به المقام في مطالعة بعض التصانيف، ثم لا يظفر بكبير شيء؛ كونها لا تمثل صلب العلم، أو يتجه نحو بعض المختصرات توفيرا للوقت، فيفوته علم كثير لا غنى عنه في التكوين العلمي الراشد في التفسير، وكذا حتى يتمكن من التدرج في الطلب بطريقة منهجية راشدة؛ فلا يقدم ما حقه التأخير، ويؤخر ما حقه التقديم من التفاسير.

وإذا كانت المفاضلة بين كتب التفسير لها تلك الأهمية، فإن تحديد ضابط لهذه المفاضلة يعد أمرا ذا بال، حتى لا تقوم على مجرد الذوق، الذي ليس له مسوغات منهجية تدفع إلى قبوله والتسليم به، ومن ثم السير في النظر لمصنفات التفسير تبعا لمعطياته ونتائجه.

معيار المفاضلة بين كتب التفسير

يمكن بناء معيار التفاضل بين كتب التفسير وتحريره من خلال النظر في التفسير ذاته، وتأمل دوائره ومكوناته، خاصة وأنه غرضها الرئيس الذي تنتصب من أجله، بحيث يظهر بعد ذلك ومن خلال دراسة هذه المكونات والمراحل أيها أكثر أولوية، وأعظم أثرا من غيرها، ومن ثم يمكن تأسيس معيار التفاضل بين كتب التفسير تبعا لها.

ويظهر ارتباط بناء معيار التفضيل بين كتب التفسير بمفهوم التفسير إذا ما نظرنا في بعض المقولات التي حاولت المفاضلة بين كتب التفسير؛ من ذلك مثلا: قول الشيخ محمد عبده: "التفسير قسمان؛ أحدهما: جاف مبعد عن الله وعن كتابه، وهو ما يقصد به حل الألفاظ وإعراب الجمل وبيان ما ترمي إليه تلك العبارات والإشارات من النكت الفنية، وهذا لا ينبغي أن يسمى تفسيرا، وإنما هو ضرب من التمرين في الفنون، كالنحو، والمعاني، وغيرهما. ثانيهما: هو الذي يستجمع تلك الشروط لأجل أن تستعمل لغايتها، وهو ذهاب المفسر إلى فهم المراد من القول، وحكمة التشريع في العقائد والأحكام على الوجه الذي يجذب الأرواح، ويسوقها إلى العمل والهداية المودعة في الكلام؛ ليتحقق فيه معنى قوله: {هدى ورحمة} (الأعراف:52) ونحوهما من الأوصاف، فالمقصد الحقيقي وراء كل تلك الشروط والفنون هو الاهتداء بالقرآن.

والناظر في الكلام السابق يلحظ أمرين:

الأول: أنه جرى تقسيم التفسير إلى نوعين مع الموازنة بينهما، وتفضيل أحدهما على الآخر، وغير خاف أن هذه القسمة تستدعي في ذاتها تقديما لمؤلفات التفسير التي تتمثلها وتقترب منها؛ فكلما كان كتاب التفسير أكثر قربا لحل الألفاظ والإعراب...إلخ كان أكثر بعدا، وكلما اقترب من بيان هدايات القرآن ومقاصده كان أحرى بالقبول؛ بل وبحمل اسم التفسير.

الثاني: معيار التفضيل جاء متمركزا حول طبيعة التصور لمفهوم التفسير ذاته، وطريقة فهمه وتقدير طبيعة المكونات التي يجب أن يشتمل عليها، ويتركب منها؛ ومن ثم يتبين أن المعيار الذي يمكن من خلاله ضبط المفاضلة بين كتب التفسير لا يتحصل إلا من خلال النظر في مفهوم التفسير ذاته وتأمل مكوناته.

مفهوم التفسير: المكونات والأجزاء

إن المتتبع لتعريفات التفسير يلحظ أن هذا المصطلح يكتنف مفهومه خلاف ظاهر بين قاصر لهذا المفهوم على تبيين المعاني وكشفها، وبين موسع له، ليشمل أمورا أخرى، كسرد الهدايات واللطائف والأحكام...إلخ، مما يتفاوت المفسرون في سعته أيضا، ومدى اعتبارهم لما يدخل منه في دائرة التفسير وما لا يدخل. ويمكن القول: إن مكونات هذا المفهوم تتمثل في أمرين بوجه عام:

أولا: شرح المعنى وضبطه.

ثانيا: استخراج الهدايات والأحكام واللطائف والملح والمقاصد...إلخ.

وليست هذه المكونات منفصلة، اللهم إلا عند من يقصر مفهوم التفسير على بيان المعنى، ويرى عدم مجاوزة التفسير لذلك الغرض، وإلا فمن يرون توسعة المفهوم، فإنهم يعتبرون في مكوناته مرحلة بيان المعنى، ولكن مضافا إليها عدد آخر من الأمور، التي يتفاوتون فيها أيضا سعة وضيقا. وإذا كانت مكونات مفهوم التفسير هي ما تقدم، فلا شك أنه لكي نحرر ضابطا ومعيارا لتفاضل كتب التفسير؛ فإنه يتوجب علينا النظر في مكونات المفهوم لتحرير أيها أكثر أولوية، وأيها يمكن أن يمثل صلبا للتفسير.

مكونات مفهوم التفسير

إن الناظر في مكونات التفسير يلحظ أمرين:

أولا: إن بيان المعنى يمثل قدرا مشتركا في مكونات مفهوم التفسير؛ فالبعض قد اقتصر عليه أو زاد عليه مكونات أخرى.

ثانيا: هناك تفضيل عند بعض موسعة مفهوم التفسير للقدر الزائد عن بيان المعاني على بيان المعاني ذاتها، حيث يعتبرون هذه الزيادات هي الغاية الكبرى، بل والجديرة باسم التفسير، وأن من جرد التفسير منها مقتصرا على بيان المعنى، فربما لا يعد عمله تفسيرا، ولا يستأهل النسبة للتفسير.

وبالمقارنة بين مكون بيان المعاني وبقية المكونات التي يدخلها موسعة المفهوم، يتبن أن بيان المعاني سيظهر سريعا باعتباره ركيزة رئيسة تفضل غيرها ولا يفضلها أي من بقية المكونات المضافة عليها؛ نظرا لاستحالة قيام سائر مكونات المفهوم المضافة على التفسير عند موسعة المفهوم إلا بعد تحرير تلك المعاني أولا وضبطها. فالتفسير - عند من يوسع مكوناته - يمر بمرحلتين:

المرحلة الأولى: بناء المعنى وتحريره.

المرحلة الثانية: استثمار المعنى والبناء عليه.

فالمرحلة الأولى (بناء المعنى): هي المرحلة التي تدور حول محاولة فهم المعنى القرآني وضبطه؛ حيث ينطلق المفسر في بيان المعنى وتوضيحه وشرحه، وهذه المرحلة يتوقف عندها التفسير عند من يقصره عليها.

أما المرحلة الثانية (مرحلة استثمار المعنى والبناء عليه): فهذه المرحلة التالية لبيان المعنى؛ حيث ينطلق المفسر في استثمار المعنى الذي وضح له في المرحلة الأولى ليبني عليه ويسير به في فضاءات واسعة وعديدة؛ مستنبطا منه حكما، أو مستخرجا منه هداية، أو منبها على لطيفة، أو مقدما من خلاله مادة وعظ، إلى غير ذلك من أشكال التوظيف والبناء، التي تبدو جلية في كتب التفسير. وهذه المرحلة يوجد بها عدد من المراحل بحسب سعة التوظيف التي ينطلق إليها المفسر، ويرغب في الذهاب بتفسيره إليها.

والمتأمل في هاتين المرحلتين يدرك ما بينهما من تلازم، وأن المرحلة الثانية تقوم رأسا على المرحلة الأولى، ولا تأتي إلا بعدها؛ ذلك أنه "لا يمكن الانطلاق إلى تأسيس أي فائدة، أو استنباط حكم، أو تقرير مسألة...إلخ دون تقرير المعنى وتحريره؛ إذ المعنى هو أساس ذلك ومنطلقه، فإذا تم بيانه أمكن الانطلاق منه إلى ما بعده، وما لم يتم بيانه فلا يمكن الوصول إلى شيء بعده".

وواضح أن بيان المعنى وضبطه لا يمكن الخطو إلى ما وراءه مما يأتي في المرحلة الثانية من استخراج اللطائف والأحكام والهدايات...إلخ مما لا يتبدى إلا بعد تمثل معنى معين في الآية محل التفسير؛ ومن ثم فإن المرحلة الثانية مهما تشعبت دوائرها، وكثرت إلا أنها مبنية في جذرها على بيان المعنى، وتأتي تبعا لها؛ ولذا يمكن القطع بأن بيان المعاني هو بمثابة الأصل والأساس في المفهوم، وأن ما زاد عليه من إضافات هي بمثابة التبع فيه.

نموذج تطبيقي

ولمزيد بيان لما تقدم نأخذ نموذجا نستعرض من خلاله المادة التفسيرية في إحدى الآيات القرآنية، وذلك قوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك} (البقرة:258) فهذه الآية تأتي في سياق إخبار الله عن المحاجة التي وقعت بين إبراهيم عليه السلام والكافر الذي خاصمه في ربه، ونلحظ فيها أن الضمير المنصوب في الفعل {آتاه} يحتمل في عوده احتمالين:

الأول: أن يكون عائدا على الكافر الذي حاج إبراهيم في ربه، ويكون معنى الآية "أي: آتى الكافر الملك" وهو ما علق عليه الزجاج، بقوله: "وهذا هو الذي عليه أهل التفسير، وعليه يصح المعنى".

الثاني: أن يكون عائدا على إبراهيم عليه السلام نفسه، وعليه فإن معنى الآية يكون: أن آتى الله إبراهيم الملك، وهو القول المنسوب إلى أهل الاعتزال.

وبغض النظر عن الترجيح والاختيار؛ إذ الغرض ليس متجها إليه، إلا أنه يمكن بسهولة ويسر أن نلحظ بوضوح أثر تبيين المعنى وكشفه، وكيف أنه يمثل أساسا، وأنه إذا تحقق ضبطه أمكن ضبط ما وراءه، واستطاع العقل بعدها أن ينطلق في فضاءات المعنى؛ ليبني عليها ويستخرج منها أحكاما وحكما وهدايات ولطائف، ومن ذلك مثلا على القول الأول، يمكن أن نستخرج هداية من الآية، وهي أن "النعم تبطر صاحبها، إذا حرم ولاية الله تعالى" وأن "الملك بلاء وفتنة على من أوتيه" وأن نستخرج منها أحكاما من مثل: "جواز تسمية الكافر ملكا، إذا آتاه الله الملك والعز والرفعة في الدنيا، وجواز أن ينعم الله على الكافر في الدنيا، ثم يحرم منها في الآخرة، ولا يجد إلا النار" وأن نستثمره في بيان موقف الإسلام من النعم، والموقف الإيماني إزاء التعامل معها، وطبائع النفوس في التعامل مع النعم السماوية.

فيتحرر على ضوء ما سبق أصالة تبيين المعاني، وأنها تمثل صلب التفسير على الحقيقة، وأنها الأساس الذي يهيئ التربة لبقية الإضافات والزيادات عليها، ويفضي إلى تخليقها وإيجادها؛ ذلك أن سائر هذه الإضافات قائمة في أصلها على بيان المعنى، ولا تأتي إلا بعد إقراره والانتهاء منه أولا.

وتأسيسا على ما تقدم، يمكن القول: إن المعيار الذي يمكن به المفاضلة بين كتب التفسير هو مقدار اتصال كتب التفسير ببيان المعاني وخدمتها له؛ فكلما كان كتاب التفسير خادما بقوة لبيان المعاني، ومؤثرا فيها كلما كانت إفادته في التفسير إفادة عظيمة، ويمكن اعتباره كتابا شديد التميز وعظيم الأثر في علم التفسير، من غير أن يعني ذلك التقليل من قيمة كتب التفسير التي يظهر جل اشتغالها في الإضافات على بيان المعاني، ولكنه بيان فحسب لـ:

أولا: مركزية مرحلة بيان المعاني في التفسير، وأنها الأكثر أهمية.

ثانيا: خطأ تقديم المكونات والإضافات الزائدة في مفهوم التفسير عند من يقدمها من موسعة المفهوم على بيان المعاني؛ كون هذه الإضافات مرتكزة في أصلها على بيان المعنى ومتفرعة عنه؛ ومن ثم فلا يقدم الفرع على أصله أبدا.

ثالثا: خطأ التقويمات والأحكام التي تتجه لتقدير أهمية مصنفات التفسير دون اعتبار دورها في مرحلة بيان المعاني وأثرها في هذه المرحلة.

وغير خاف أن هذا التحرير لضابط مركزية كتاب التفسير ودوره في بيان المعاني كمعيار للمفاضلة بين كتب التفسير كفيل بحل الإشكالات العديدة، والتي تنصب على التفسير ذاته، بحيث يصبح لدينا معيار علمي مبرر، يمكن عبره تحديد كتب التفسير، ومن ثم فلا يتشتت الناظر لهذه الكتب، ويحار في وجهة التعامل معها، ويتعذر عليه بناء آلية للمفاضلة بينها، ولا سيما وأن جميع كتب التفسير غرضها الأساس هو التفسير.

وإذ تحرر أن بيان المعنى هو المعيار الذي تجب بناء عليه المفاضلة بين كتب التفسير، وأن قيمة هذه الكتب تتحدد وفقا لجهدها وبذلها فيه؛ فإن ثمة تساؤلات أخرى تثور في الذهن حول واقع هذه المرحلة في كتب التفسير، ولا سيما وأنها تحضر في سائرها، وأكثر التفاسير عناية بها ودرجاتها في ذلك، وعن مسار التأليف في هذه المرحلة المهمة في مدونة التفسير...إلخ مما لا تقل أهمية تحديده بحال عن تحديد معيار المفاضلة بين كتب التفسير؛ لارتباطه بدائرة التطبيق العملي لهذا المعيار على واقع علم التفسير، وتنزيله على مؤلفاته، وبناء نتائج المفاضلة واقعيا تبعا له بصورة عملية، لا تخفى أهميتها في رسم خارطة كتب التفسير تبعا لأوزانها النوعية فيه، وتصنيفها تبعا لهذا الاعتبار، والذي سييسر طريقة التعامل مع المكتبة التفسيرية الواسعة، والتكوين العلمي في التفسير على نحو أقوم وأرشد.

* مادة المقال مستقاة من موقع (مركز تفسير للدراسات القرآنية) بتصرف.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة