لفظ (النفس) في القرآن الكريم

0 836

جاء في معجم "مقاييس اللغة" أن (النون، والفاء، والسين) أصل واحد، يدل على خروج النسيم كيف كان، من ريح أو غيرها، وإليه يرجع فروعه. منه التنفس: خروج النسيم من الجوف. ونفس الله كربته، وذلك أن في خروج النسيم روحا وراحة. والنفس: كل شيء يفرج به عن مكروب. وفي الحديث: (لا تسبوا الريح، فإنها من نفس الرحمن) رواه ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني، يعني أنها روح يتنفس به عن المكروبين. ويقال للعين: نفس، أصابته نفس، أي: عين. والنفس: الدم، وإنما سمي الدم نفسا؛ لأن النفس تخرج بخروجه. والحائض تسمى النفساء، لخروج دمها. والنفس قوامها بالنفس. ونفس الشيء: عينه، يؤكد به، يقال: رأيت فلانا نفسه، وجاءني فلان بنفسه. والتنافس: أن يبرز كل واحد من المتبارزين قوة نفسه. وتنفس النهار عبارة عن توسعه. قال تعالى: {والصبح إذا تنفس} (التكوير:18). وجمع (النفس) أنفس ونفوس.

واختلفوا في النفس: هل هي الروح، أو هي غيرها؟ فقال كثير من الناس: إن الروح شيء غير النفس. وقال آخرون: بل هما شيء واحد. قال ابن اسحاق: النفس في كلام العرب يجري على ضربين: أحدهما: قولهم: خرجت نفس فلان، أي: روحه، وفي نفس فلان أن يفعل كذا وكذا، أي: في روحه· والضرب الآخر: فيه معنى جملة الشيء وحقيقته، تقول: قتل فلان نفسه، وأهلك نفسه: أوقع الهلاك بذاته. وقال ابن بري: النفس: الروح، والنفس ما يكون به التمييز؛ فالأولى هي التي تزول بزوال الحياة، والثانية هي التي تزول بزوال العقل. والعرب جعلوا النفس التي يكون بها التمييز نفسين: نفس تأمر بالشيء، ونفس تنهى عنه، وذلك عند الإقدام على أمر مكروه، فجعلوا التي تأمر نفسا، والتي تنهى كأنها نفس أخرى.

ولفظ (النفس) بمشتقاته ورد في القرآن الكريم في ثمانية وتسعين ومائتي (298) موضع، جاء في موضعين بصيغة الاسم؛ أولاهما: قوله سبحانه: {والصبح إذا تنفس} (التكوير:18). ثانيهما: قوله عز وجل: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} (المطففين:26). وجاء بصيغة الاسم في ستة وتسعين ومائتي (296) موضع بصيغة الاسم، منها قوله تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم} (غافر:17).

ولفظ (النفس) بمشتقاته ورد في القرآن الكريم على عدة معان، منها: 

- (النفس) يعني أهل الإيمان والشريعة وأخوة الدين، من ذلك قوله تعالى في حادثة الإفك: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} (النور:12) قال ابن عرفة: "أي: بأهل الإيمان، وأهل شريعتهم"· ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} (آل عمران:164) قال ابن إسحاق: لقد من الله عليكم، يا أهل الإيمان، إذ بعث فيكم رسولا من أنفسكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم. وثمة من قال: إن المراد بالآية هنا العرب - كما قال الطبري - أي بعث في العرب نبيا من أهل لسانهم، ولم يجعله من غير أهل لسانهم؛ فلا يفقهوا عنه ما يقول. ونحوه أيضا قوله عز وجل: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} (براءة:128). ومن ذلك قوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء:29) أي: ولا يقتل بعضكم بعضا؛ قال الطبري: "لأن الله تعالى ذكره جعل المؤمنين إخوة، فقاتل أخيه كقاتل نفسه...وكذلك تفعل العرب، تكني عن نفسها بأخواتها، وعن أخواتها بأنفسها". ومثل ذلك قوله عز وجل: {ولا تلمزوا أنفسكم} (الحجرات:11) فلامز أخيه كلامز نفسه؛ قال القرطبي: "وفي قوله: {أنفسكم} تنبيه على أن العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغي أن يعيب غيره؛ لأنه كنفسه". ومن هذا القبيل قوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} (النور:61) قال الطبري: "معناه: فإذا دخلتم بيوتا من بيوت المسلمين، فليسلم بعضكم على بعض". ومنه أيضا قوله تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} (النور:12) قال القرطبي: "قال: {بأنفسهم} لأن أهل الإسلام كلهم بمنزلة نفس واحدة؛ لأنهم أهل ملة واحدة".

- (النفس) يعبر عنها عن الإنسان، من ذلك قوله سبحانه: {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة} (البقرة:48) أي: لا يغني إنسان عن إنسان يوم القيامة، فكل إنسان منوط بعمله وبما قدمت يداه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. ونحوه أيضا قوله عز وجل: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} (المائدة:45) أي: الإنسان بالإنسان. وعلى هذا المعنى قوله عز من قائل: {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} (المائدة:32) أي: من قتل إنسانا بغير وجه حق، فكأنما قتل الناس جميعا. ووفق هذا المعنى قوله تعالى: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله} (الزمر:56).

- (النفس) تطلق على آدم عليه السلام، ومنه قوله تعالى: {الذي خلقكم من نفس واحدة} (النساء:1) قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام. وقال سبحانه: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة} (الأنعام:98).

- (النفس) بمعنى الروح، من ذلك قوله تعالى: {والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم} (الأنعام:93) قال البغوي: "أي: أرواحكم كرها؛ لأن نفس المؤمن تنشط للقاء ربها". ومنه أيضا قوله سبحانه: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} (الزمر:42). روى الطبري عن سعيد بن جبير، قال: يجمع بين أرواح الأحياء، وأرواح الأموات، فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف، فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجسادها.

- (النفس) تطلق على ذات الله تعالى، قال سبحانه: {ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} (آل عمران:28) وقال عز وجل: {ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد} (آل عمران:30) أي: يحذركم إياه، فالمراد بها ذاته المتصفة بصفاته جل وعلا. 
- (النفس) بمعنى البعض، منه قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} (البقرة:85) أي: يقتل بعضكم بعضا. ومنه أيضا قوله عز وجل في قوم موسى عليه السلام: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} (البقرة:54) قال القرطبي: "قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا".

- (النفس) بمعنى نفس الإنسان ذاته، جاء على هذا المعنى قوله عز وجل: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} (النساء:66) المعنى: ولو أنا فرضنا على هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، المحتكمين إلى الطاغوت، أن يقتلوا أنفسهم وأمرناهم بذلك، ما فعلوا ما أمرناهم به.

- (النفس) بمعنى القلب، من ذلك قوله عز وجل: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} (ق:16) قال البغوي: "نعلم ما يحدث به قلبه، ولا يخفى علينا سرائره وضمائره". ومنه قوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} (النجم:23).

- وتأتي (النفس) بمعنى (العندية) قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} (المائدة:116) قال القرطبي: معناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي، ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك.

وقد تحصل مما تقدم، أن لفظ (النفس) بمشتقاته أكثر ما جاء في القرآن بمعنى أهل الإيمان وأخوة الدين، وجاء بدرجة تالية بمعنى الإنسان عموما، وجاء بدرجة أقل بمعنى آدم عليه السلام، وبمعنى الروح، وبمعنى ذات الله تعالى، وبمعنى الإنسان ذاته، وبمعنى القلب، وبمعنى العندية.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة