- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:من بدر إلى الحديبية
في شوال من السنة الثالثة من الهجرة النبوية كانت غزوة أحد، التي وقعت أحداثها قرب المدينة المنورة عند جبل أحد والذي سميت الغزوة باسمه، وكانت بما فيها من أحداث وقتال من مرحلتين: المرحلة الأولى: انتصر فيها المسلمون انتصارا ظاهرا، وغنموا غنائم كبيرة، والثانية: أصيب المسلمون فيها في نفوسهم وفي أبدانهم، وابتلوا ابتلاء شديدا، حتى قالوا حين أصابهم ما أصابهم: "أنى هذا؟!"، ويعبر القرآن الكريم عن ذلك فيقول: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير}(آل عمران:165). وقد بلغ عدد من استشهد من المسلمين يوم أحد سبعين رجلا، أما قتلى المشركين فبلغ عددهم ثلاثة وعشرين رجلا ـ كما ذكر ابن سعد وغيره ـ. ورجع المشركون بعد الغزوة إلى مكة مكتفين بما حققوه، وقد أصاب المسلمين ما أصابهم من شهداء وآلام وجراح، نتيجة مخالفتهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي غزوة أحد نزلت الكثير من الآيات القرآنية من سورة آل عمران، تشير وتتحدث عن مواقفها وأحداثها ـ قبل المعركة وأثناءها وبعدها ـ، وما فيها من دروس وعبر، وحكم وأحكام .
آيات قرآنية نزلت في غزوة أحد:
ربط ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى" بين كل غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم الكبيرة وما نزل فيها من آيات بينات، فمن ذلك قوله: "غزوة بدر الكبرى: أولى معارك الإسلام الفاصلة، نزل في شأنها سورة الأنفال .. غزوة أحد: نزل في شأنها ستون آية من آل عمران .. غزوة حمراء الأسد: التي تعتبر تكملة لغزوة أحد، نزل في شأنها آيات من نفس السورة، الآيات (172 - 175)".
والآيات القرآنية من سورة آل عمران التي نزلت في شأن غزوة أحد تبدأ من الآية رقم "121" إلى الآية "179"، ـ وبين هذه الآيات آيات ليست في موضوع الغزوة ـ.
وتبدأ الآيات المرتبطة بغزوة أحد من قول الله تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم * إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون}(آل عمران:121-122). ومن هذه الآيات قول الله تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}(آل عمران:137)، وكذلك قوله سبحانه: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين * ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون * وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}(آل عمران: 144:139)، وقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين}(آل عمران:149).
ومن هذه الآيات القرآنية كذلك التي نزلت في غزوة أحد قول الله تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين * إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون * ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور * إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم}(آل عمران: 155:152).
وكذلك قوله عز وجل: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير * وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون * الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين * ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}(آل عمران: 171:165).
دروس تربوية في غزوة أحد :
قال ابن حجر في فتح الباري: "قال العلماء: وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة، منها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي، لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يبرحوا منه. ومنها: أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة.. والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب.. ومنها: أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها، فلما ابتلي المؤمنون صبروا وجزع المنافقون. ومنها: أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها. ومنها: أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء، فساقها إليهم. ومنها: أنه أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق بذلك الكافرين .. وقد قال ابن إسحاق: أنزل الله في شأن أحد ستين آية من آل عمران، وروى ابن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أخبرني عن قصتكم يوم أحد؟ قال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدها".
وذكر ابن القيم في كتابه"زاد المعاد " الكثير من الحكم والدروس التربوية من غزوة أحد، ومن ذلك قوله: "تعريف المؤمنين سوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع، وأن الذي أصابهم إنما هو شؤم ذلك، كما قال تعالى:{ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين}(آل عمران:152)، فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول وتنازعهم وفشلهم، كانوا بعد ذلك أشد حذرا ويقظة، وتحرزا من أسباب الخذلان.. ومنها: أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر، وطار لهم الصيت، دخل معهم في الإسلام ظاهرا من ليس معهم فيه باطنا، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة، وتكلموا بما كانوا يكتمونه، وظهرت مخباتهم وعاد تلويحهم تصريحا، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق، انقساما ظاهرا، وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم وهم معهم لا يفارقونهم، فاستعدوا لهم، وتحرزوا منهم. قال الله تعالى:{ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء}(آل عمران:179)".
مع ما أصاب المسلمين في غزوة أحد من شهداء وجرحى، وآلام وجراح، فإنها لا تعتبر هزيمة بالمعنى العسكري، ولذلك قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (ما نصر الله تبارك وتعالى في موطن كما نصر يوم أحد)، وفي رواية للحاكم: (ما نصر النبي صلى الله عليه وسلم في موطن كما نصر يوم أحد). ومن ثم ستظل غزوة أحد ـ بالآيات القرآنية التي نزلت فيها، ومواقفها وأحداثها التي صاحبتها ـ، معينا لا ينضب، وزادا لا ينفد، يستفيد منها المسلمون في واقع حياتهم، ليتحققوا بأسباب النصر والتمكين على أعدائهم.