- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:محاسن الأخلاق
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه محمد بن عبد الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد رغب الشرع المطهر في فعل المعروف ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده سبحانه من الأجر والثواب، وبين الله تبارك وتعالى حال أولئك الأبرار الذين فازوا بالجنة والنعيم المقيم فكان من صفاتهم حال فعلهم المعروف وإحسانهم إلى الناس: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا(9)}(سورة الإنسان).
فيجب على من فعل معروفا أن يخلص نيته لله تعالى وألا ينتظر على ذلك من الخلق أجرا.
وإذا كان قبيحا أن ينتظر المحسن على إحسانه من الناس أجرا، فأقبح منه ذلك الجحود الذي لا يشكر الإحسان ولا يرى للمحسن عليه فضلا؛ فإن الله تعالى يقول: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان(60)}(سورة الرحمن).
ومع أن سياق الآية يتحدث عن إحسان الله تعالى لعباده المحسنين في عبادته ونفع عباده بالثواب الجزيل والنعيم المقيم فإنها أيضا قد وضعت أساسا متينا للتعامل بين الناس في هذه الدنيا وهو ضرورة مقابلة الإحسان بالإحسان.
ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى فتراه يقول:
"من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء" وفي رواية : "من أولى معروفا أو أسدي إليه معروف فقال للذي أسداه: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء".(الترمذي).
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سأل بالله فأعطوه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" (رواه أبو داود).
قد يظن بعض الناس أن مكافأة المحسن لابد أن تكون مادية في صورة هدية أو مال أو غيره، وهذا لاشك شيء حسن فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، لكن كثيرا من الناس قد يعجز عن ذلك فهل يهمل المحسن ولا يكافئه؟ هنا يأتي الجواب من خلال الحديثين السابقين، فمن لم يجد ما يكافئ به المحسن فليثن عليه وليدع له.
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد: "إن أشكر الناس لله أشكرهم للناس".
والناظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته يجده أحرص الناس على مكافأة من يبذل له معروفا أو يرى منه إحسانا.
هذا ربيع بن كعب الأسلمي يقول: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته . فقال لي" سل " فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: "أو غير ذلك ؟ " قلت: هو ذاك قال: " فأعني على نفسك بكثرة السجود".(رواه مسلم).
وأورد الهيثمي في مجمع الزوائد عن ربيعة أيضا أنه قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا ربيعة ألا تزوج؟" قلت: لا والله يا رسول الله ما أريد أن أتزوج؛ وما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني ثم قال لي الثانية: "يا ربيعة ألا تزوج؟" فقلت: ما أريد أن أتزوج؛ ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم مني بما يصلحني في الدنيا والآخرة، والله لئن قال لي أتزوج لأقولن نعم يا رسول الله مرني بما شئت، فقال لي: "يا ربيعة ألا تزوج؟" فقلت: بلى مرني بما شئت. قال: "انطلق إلى آل فلان - حي من الأنصار كان فيهم تراخ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة - لامرأة منهم –" فذهبت إليهم فقلت لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فقالوا: مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يرجع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا. فقلت: يا رسول الله أتيت قوما كراما فزوجوني وألطفوني وما سألوني البينة وليس عندي صداق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بريدة الأسلمي اجمعوا له وزن نواة من ذهب". قال: فجمعوا لي وزن نواة من ذهب فأخذت ما جمعوا لي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اذهب بهذا إليهم فقل لهم هذا صداقها" فأتيتهم فقلت: هذا صداقها فقبلوه ورضوه وقالوا: كثير طيب. قال: ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا فقال: "يا ربيعة مالك حزين؟" فقلت: يا رسول الله ما رأيت قوما أكرم منهم ورضوا بما آتيتهم وأحسنوا وقالوا: كثير طيب، وليس عندي ما أولم. فقال: "يا بريدة اجمعوا له شاة" فجمعوا لي كبشا عظيما سمينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب إلى عائشة فقل لها فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام" قال: فأتيتها فقلت لها ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هذا المكتل فيه سبع آصع شعير لا والله إن أصبح لنا طعام غيره خذه. قال: فأخذته فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما قالت عائشة، قال: "اذهب بهذا إليهم فقل لهم: ليصبح هذا عندكم خبزا وهذا طبيخا" فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه وأما الكبش فاكفونا أنتم، فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم فذبحناه وسلخناه وطبخناه فأصبح عندنا خبز ولحم فأولمت ودعوت النبي صلى الله عليه وسلم...".
فانظر كيف قابل النبي صلى الله عليه وسلم المعروف الذي أسداه له ربيعة بخدمته له بأكثر وأعظم منه!.
إننا بحاجة إلى إحياء هذا الخلق الكريم ليدوم المعروف بين الناس ولا ينقطع.
نعم نحتاج أن نثني على المحسن بما أحسن وأن ندعو له وأسوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حين اقترض من عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي رد إليه القرض ولم يكتف بذلك بل قال له: " بارك الله لك في أهلك ومالك إنما جزاء السلف الوفاء والحمد ".(ابن ماجة).
والرجل الصالح الذي سقى نبي الله موسى لابنتيه أرسل إحداهما إليه قائلة: { إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } (القصص، من الآية: 25 ).
إن أمثال هؤلاء هم الذين يكونون سببا في بقاء المعروف وزيادته بين الخلق، بما يقدمونه من شكر وإحسان لأصحاب الفضل والمعروف.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.