وَدِدْتُ أنِّي لقِيتُ إخواني

0 422

لم يؤثر عن نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ذلك الحب الشديد لأمته كما أثر عن حب نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه لأمته، قال الله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}(التوبة:128)، قال ابن كثير في تفسيره: " وقوله: {عزيز عليه ما عنتم} أي: يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها، {حريص عليكم} أي: على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم". وقال السعدي: "أي شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم، ولهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقيره".

ومن صور ومظاهر محبة نبينا صلى الله عليه وسلم لأمته: دعوته لها في كل صلاة، وشدة رحمته وشفقته بها، وشفاعته لها.. ومنها كذلك: حبه واشتياقه صلى الله عليه وسلم لمن أتى بعده من أمته وآمن به ولم يره، والأحاديث في ذلك كثيرة:

ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة, فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله, ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم (متقدمهم) على الحوض..) رواه مسلم.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: "قال العلماء: في هذا الحديث جواز التمني لا سيما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (وددت أنا قد رأينا إخواننا) أي: رأيناهم في الحياة الدنيا، قال القاضي عياض: وقيل المراد تمني لقائهم بعد الموت، قال الإمام الباجي: قوله صلى الله عليه وسلم: (بل أنتم أصحابي) ليس نفيا لأخوتهم، ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة، فهؤلاء إخوة صحابة، والذين لم يأتوا إخوة ليسوا بصحابة، كما قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}(الحجرات:10)".

ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طوبى لمن رآني وآمن بي، ثم طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني) رواه ابن حبان وصححه الألباني

ـ عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طوبى لمن رآني وآمن بي مرة، وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات) رواه أحمد وصححه السيوطي والألباني. قال الزرقاني: "(وطوبى لمن لم يرني وآمن بي) لأن الله مدح المؤمنين بإيمانهم بالغيب، وإيمان الصحابة بالله واليوم الآخر غيبا، وبالنبي صلى الله عليه وسلم شهودا للآيات والمعجزات، ومن بعدهم آمنوا غيبا بما آمنوا به شهودا، فلذا أثنى عليهم".

ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وددت أني لقيت إخواني، فقال أصحابه: أوليس نحن إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، و لكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني) رواه أحمد وصححه الألباني. وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: (متى ألقى إخواني؟ قالوا: يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني). قال القرطبي: "هذا يدل على جواز تمني لقاء الفضلاء والعلماء، وهذه الأخوة هي أخوة الإيمان اليقيني، والحب الصحيح للرسول صلى الله عليه وسلم".

ـ عن أبي محيريز قال: قلت لأبي جمعة - رجل من الصحابة -: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم، أحدثكم حديثا جيدا: (تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله! أحد خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك؟! قال: نعم، قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني) رواه أحمد وصححه الألباني. وفي رواية أخرى حسنها ابن حجر وغيره، قال ـ حبيب بن سباع أبو جمعة ـ: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، قال: فقلنا يا رسول الله: هل من قوم هم أعظم منا أجرا، آمنا بك واتبعناك؟ قال: ما يمنعكم من ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء، بل قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجرا).
وفي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": "والمعنى أنهم خير منكم من هذه الحيثية، وإن كنتم خيرا منهم من جهة المسابقة والمشاهدة والمجاهدة".

لقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته وأصحابه حبا شديدا، وأحب إخوانه من أمته الذين آمنوا به ولم يروه وأتوا من بعده، واشتاق إليهم، وتمنى اللقاء بهم، فإذا كان هذا حب النبي صلوات الله وسلامه عليه لنا ـ كأفراد وأمة ـ، فحري بنا أن نحبه من أعماق قلوبنا حبا حقيقيا صادقا، وذلك بطاعته واتباعه، والاقتداء به، وتوقيره والأدب معه، قال الله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}(آل عمران:31)، وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب:21)، وقال تعالى: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه}(الفتح: 9). وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(الحشر:7).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة