أهداف العمل الخيري

0 1412

لا شك أن العمل الخيري ينبع من صميم الدين، باعتباره يسعى لتحقيق حاجات الناس بجلب المصالح ودرء المفاسد بما يحفظ الضرورات الخمس التي اتفقت عليها جميع الشرائع السماوية وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.
والعمل الخيري في الإسلام يولي اهتماما بالفرد والأسرة والمجتمع، من خلال العمل على حل المشكلات المتزامنة مع الحروب والأزمات والملمات والكوارث الطبيعة، وهذا ينتج عنه مجتمع متكامل متحمل للمسؤولية مؤد للأمانة ومشارك في تنمية مجتمعه، محقق للتوازن في المصالح والعلاقات، مع التشبث بأسس وركائز مقاصد الشريعة الإسلامية.
فالعمل الخيري أساس تحضر المجتمعات ورقيها ومشاركة فعلية واقعية في تنمية المجتمع وبه يتحقق الإصلاح الأسري المجتمعي المرتقب وتحقيق المناط من الغاية الوجودية للإنسان.
ولهذا فإن العمل الخيري يخضع لمجموعة من الأهداف والغايات الشرعية حتى يؤتي أكله وثماره المرجوة، وتنبثق هذه الغايات الشرعية من الشريعة الإسلامية الغراء ومن هذه الأهداف الرحبة ما يلي:

1-ابتغاء مرضاة الله والأجر والثواب للفوز بالجنة لقوله تعالى: ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) (سورة النساء، الآية: 114)، وقوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (سورة الإنسان، الآية: 8)، ولعظمة فعل الخير ربط المولى عز وجل بين الصلاة والصدقة في قوله تعالى: (في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين )(سورة المدثر، الآية: 41/44)
إن العمل الخيري يقصد به وجه الله وابتغاء مرضاته، لا أن يكون الهدف منه غايات اجتماعية أو سياسية، أو غيرها من المرامي الدنيوية، وبذلك فمن يخلص النية ويبتغي مرضاة الله سبيلا يكون جزاؤه النعيم المضاعف، وجاءت هذه المعاني في سورة البقرة يقول المولى عز وجل:(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)(سورة البقرة، الآية: 261) بينما توعد المولى عز وجل من يبتغي من عمله غير وجه الله ببطلان العمل وسوء المآل لقوله تعالى: (أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين)(سورة البقرة، الآية : 264).

2- تفعيل مبدأ التعاون على البر والتقوى وإشاعة الخير بين أطياف المجتمع، فلقد أمرت الشريعة الإسلامية بالتعاضد والتكافل والتعاون على البر والتقوى يقول المولى عز وجل: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)(سورة المائدة، الآية: 2) ، وأكد الهدي النبوي المبدأ نفسه فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى رواه البخاري .
وفي العمل الخيري يقول عماد الدين خليل: "تتعاضد وتتكامل أطراف المساحة كافة، ما بين الفردي، والجماعي، والتنظيمي، لكي تؤدي جميعا مهمتها في تيسير الحياة على هدي الإسلام، وتمكينها من مجابهة المعضلات والتحديات، بأكبر قدر من التماسك والمرونة في الوقت نفسه" . وفي التعاون بين أفراد الأمة في الخير والبر مقاصد أساسية للشريعة الغراء.
كما حث الله عز وجل على الإنفاق لإشاعة التكافل الاجتماعي يقول المولى عز وجل:( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) ( سورة آل عمران، الآية: 92).

3- الاستفادة من الطاقات الشابة، والقدرات البشرية، فالعمل الخيري تشكيلة من الطاقات والمهارات التي تتفاوت في قدراتها واتجاهاتها وآرائها وتسخيرها والاستفادة منها لخدمة المجتمع.

4- خلق شباب ومجتمع يتربى على العطاء وإنكار الذات، تتحقق فيه معاني التكافل والتعاون ومبدأ الجسد الواحد، دون انتظار المقابل المادي .

5- خلق صلة وصل، وردم الهوة بين الجهات الحكومية وأفراد المجتمع، لخدمة جوانب مختلفة سواء الخدمات العامة أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية.

6- المحافظة على كرامة الفقراء والمحتاجين، إذ تقدم للمحتاج وخصوصا المتعففين منهم المساعدة قبل الحاجة لسؤال الناس لقوله تعالى:( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم)(سورة البقرة، الآية: 273) ، وجاء في تفسير هذه الآية في تفسير الطبري: "وأنهم إنما يعرفون بالسيما، زاد عباده إبانة لأمرهم، وحسن ثناء عليهم بنفي الشره والضراعة التي تكون في الملحين من السؤال عنهم" .
 والهدف الرئيسي من العمل الخيري في الإسلام "سد خلات المحتاجين، ورعاية المرضى، ونصرة المستضعفين، ومساعدة من يحتاج إلى تطوير قدراته الاقتصادية أو الاجتماعية، وإعانة من يريد تقوية ملكاته المعرفية أو التقنية" .

6- تنمية الشعور بالمواطنة الحقة للشباب باكتسابهم شعور الانتماء لوطنهم ومجتمعاتهم، بتحمل المسؤوليات التي تساعد في التنمية، والمساهمة الجماعية في حل معضلة من معضلات المجتمع.

8- خلق مجتمع عصامي بتنمية أفراده عن طريق التأهيل والإعداد، والمساعدة على الاعتماد على النفس ومحاولة تجاوز المحن والأوضاع الصعبة، وخلق مجتمع قادر على تجاوز الصعاب بالاعتماد على النفس واختيار الحلول المناسبة.

9- نشر الرحمة والرأفة بين أفراد المجتمع المسلم، لقوله الرسول صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء رواه أبو داود، والعمل الخيري في الإسلام لا يعتني بالإنسان فقط بل الحيوان يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : في كل كبد رطبة أجر رواه البخاري 

ولهذه الأهداف اهتم الإسلام اهتماما جليا بالجانب الاجتماعي من خلال مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار والوقائع التاريخية، التي تقرر أن المؤمن الحقيقي هو الذي تظهر آثار إسلامه وتقواه في حياته الاجتماعية وذلك بمد العون للمحتاجين والفقراء ومساعدة المعوزين والقيام بما يجب اتجاه إخوانهم المسلمين وغيرهم ممن يجمعهم لواء مبدأ الإنسانية لقوله تعالى: ( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين)(سورة الماعون، الآية: 3) .
ولعل الهدف الأسمى في نظري هو تحقيق إشاعة الخير ونشر مبدأ التكافل والتضامن الاجتماعي وقيم التسامح والتعاون بين أفراد المجتمع، مما يؤثر إيجابا بالمحافظة على القيم الدينية الإسلامية، والأخلاق المرضية لتنمية المجتمعات والأمة جمعاء.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة