- اسم الكاتب:اسلام ويب
- التصنيف:اقرأ في إسلام ويب
لا يخلو أي شخص من لحظات أخطأ أو يخطئ فيها، أساء أو يسيء فيها إلى أحد بكلمة أو تصرف أو حركة أو أي شيء، فينتج عنه مشاعر سلبية وحزن، وأحيانا خصومة بين الطرفين.
فمن منا معصوم من الخطأ؟ فالمعصوم هو نبينا صلى الله عليه وسلم فقط، وغير ذلك فكلنا خطاؤون، كلنا نتعرض لمواقف تخرجنا من أطوارنا فنصب جام غضبنا على من حولنا من الأهل والأصدقاء، كلنا نتعرض لحالات نفسية تصدر عنها تصرفات تجرح الآخرين وتؤذيهم، كلنا نجرح مشاعر بعض من حولنا، ونتسبب في انكسار قلوبهم بقصد أو بدون قصد، كلنا نمر بلحظات استياء وعدم الرضا عن النفس، فنجلدها ونحملها أكثر مما تتحمل.
إن أنفسنا التي بين جوانبنا، وكل من حولنا من الأهل والأقارب والأصدقاء والغرباء من قريب وبعيد، نحن مدينون لهم بالاعتذار! الاعتذار عن كل ما صدر منا بحقهم من خطأ أو تجريح أو إساءة أو تقصير.
فالاعتذار من السلوكيات التي تسهل العلاقات الإنسانية وتقوي وتزيد من الروابط الاجتماعية، والاعتذار شجاعة ويعتبره البعض فضيلة لأنه يعبر عن الاعتراف بالحق، وهو ليس مجرد كلمة تقال بلا معنى، بل إنه إحساس بالخطأ ورغبة في إصلاح ما انكسر من العلاقة، والتخلص من شوائب ما تعلق بها من سوء التصرف.
والاعتذار الصحيح هو الصريح السلس، الذي يحمل في طياته المودة والسلام وطلب المسامحة والعفو عن كل هفوة كانت سببا في حزن أو ألم للطرف الآخر.
فما الاعتذار؟ وما أنواعه؟ وما أشكاله؟ وما فوائده؟ وما أبعاده؟ وما أثره على النفس؟
الاعتذار هو الحجة التي تقدم لنفي ذنب أو تبريره، واعتذر: أي صار ذا عذر، واعتذر إليه: طلب قبول معذرته.
إن الإسلام يدعو إلى الإصلاح والمحبة وتوطيد العلاقة بين الناس، قال تعالى:" إنما المؤمنون أخوة"، وهذه الأخوة تستدعي التسامح والترابط والتعاون بعيدا عن الضغينة والتنافس والحسد والحقد والغلو، ولأن الإنسان غير معصوم من الخطأ ويتصرف بما يشحن القلوب بالحزن والألم مما يؤدي إلى القطيعة، فعلى الإنسان الإسراع إلى سد فجوة الخلاف والخصام حتى لا تتسع، بكلمة اعتذار صادقة نابعة من القلب، راغبا في رضا الله تعالى ساعيا إلى تعزيز الرابطة الأخوية الإيمانية طامعا في الصفح والعفو ممن أخطأ في حقه.
الاعتذار سلوك حضاري وخلق كريم، يهدم جدار الجفوة والكراهية ويقارب بين النفوس ويمحو عن القلوب مشاعر البغض والحقد والغضب، وينشر الحب والثقة والتواضع بين الناس، فهو جسر الوصل بين ما انقطع بسبب أخطائنا المقصودة كثيرا وغير المقصودة أحيانا، فيعيد مشاعر التسامح والرضا ويحيي روح التعاون والتماسك.
الاعتذار لا ينم عن ضعف شخصية أو خوف أو مصلحة كما يعتقد صغار العقول وضيقو النفوس، إنما هو سلوك يحتاج من الفرد إلى شجاعة وقوة وعقل وإنسانية، صفات لا تصدر إلا من ذوي النفوس العظيمة والقلوب الصافية والعقول السديدة.
الاعتذار علاج الخطأ في حق الآخرين: قد يكون الخطأ تجاه الله تعالى أو تجاه النفس أو تجاه الآخرين، وتصحيح الخطأ تجاه الله تعالى يكون بالإقلاع عن الخطأ أو المعصية والتوبة النصوحة منها والندم عليها وعدم الرجوع إليها، أما تجاه النفس فيكون التصحيح بالمحاسبة والمراجعة والمعاقبة وقمع النفس الأمارة بالسوء حتى تصبح نفسا مطمئنة، بينما تصحيح الخطأ تجاه الآخرين يكون بالاعتذار والتحلل من تبعات الخطأ.
وللاعتذار أنواع متعددة، منها الاعتذار عن الخطأ أي طلب المسامحة عن الإساءة، ومنها الذي يعبر عن تبرير التصرف الذي أدى إلى شحن النفوس، ولا يقصد منه طلب العفو إنما فقط لبيان أسباب الخلاف، ومنها الاعتذار عن قلة الحيلة وعدم القدرة على المساعدة، والاعتذار بالنيابة عن طرف آخر، كاعتذار الأب الصالح عن تصرفات ابنه الطالح، أو اعتذار زوجة عن تصرفات زوجها، أو اعتذار الجار لجاره عن مشاغبات أبنائه وغيره من هذا النوع من الاعتذارات.
وأشكال الاعتذار تختلف بالنسبة للناس: فمنهم -وهم الأغلب- من يعتذر لفظا بكلمة "آسف"، ومنهم من يعتذر بالفعل كأن يقوم بتقديم هدية تعبيرا عن أسفه وندمه على الخطأ الصادر منه، ومنهم من يتخذ من الكلام عن مشاعره وحبه للشخص وسيلة للاعتذار، ومنهم من يتخذ الوسائل الأخرى كالاحتضان أو المصافحة وغيره، وقد تكون هذه الطريقة أفضل بالنسبة للبعض، وكل هذه الوسائل ناجحة وموفقة في إعادة العلاقة بين الطرفين وكسر حاجز الجفاء والفراق.
للاعتذار فوائد عديدة: حيث تؤدي إلى معرفة شخصية المعتذر له وما يقبله وما يرفضه من تصرفات، والاعتذار يريح المعتذر من عقدة الذنب ويحيي ضميره وينصره على النفس الأمارة بالسوء ويهزم الشيطان الذي يسعى لتوسيع الجفوة بين طرفي المشكلة، أيضا يؤدي إلى كسب ود الطرف الآخر واحترامه، فالاعتذار يصلح ما فسد من العلاقات بين الناس، والاعتراف بالخطأ من خلال الاعتذار طريق للتلاقي من جديد وكشف السوء وإزالة الخلاف والانتصار على الشيطان.
والاعتذار صار عالميا لا يقتصر على الأفراد وتصرفاتهم، فقد صارت الدول تعتذر رسميا كما حدث من اعتذار فرنسا للجزائر عن المذابح التي وقعت في وقت الاحتلال الفرنسي، وكان اعتذارها رسميا أمام العالم، كما اعتذرت الحكومة اليابانية لفتيات الجيش الياباني اللاتي تم استغلالهن في إمتاع الجيش، وغيره الكثير.
لقد أصبح العالم أكثر وعيا وتبصرا، ويعي معنى الاعتذار ويقدر الحياة بسلام وتسامح، ويعمل على تحجيم مسافات الخلاف والتشاحن بين الشعوب، ففي المجتمعات المتقدمة يعتبر الاعتذار جزء من ثقافتها الفكرية ومقوماتها، ينقلونه من جيل إلى آخر، ويغرسونه في أبنائهم، وقد جعلوا من الاعتذار وسيلة لتخفيف الأحكام القضائية، لأن المخطئ أو المتهم يعترف بجريمته ويطلب الصفح من الدولة والمجتمع والأفراد، وبالتالي وبسبب اعترافه يستحق تخفيف الحكم عنه.
ورغم أن الاعتذار فضيلة وخلق عظيم ودليل تواضع ونبل إلا إننا يجب أن لا نضع أنفسنا في مواقف تلزمنا بالاعتذار، فالاعتذار اعتراف بالخطأ، وما أخطأنا إلا من تقصير في أفعالنا أو أقوالنا أو تفكيرنا، فعلينا الالتزام بكل سلوك سوي لا ننحرف عن جادته إلى الطرق المتفرعة مجهولة الهدف والوجهة، وعلينا التمسك بأوامر ونواهي شرعنا القويم الذي يرشدنا إلى أحسن الأخلاق وأفضل القيم وأسمى المبادئ فعلا وقولا وإيمانا وسلوكا وتفكيرا.
وقد أوصانا النبي -صلى الله عليه وسلم - ثلاث وصايا عظيمة، ففي حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عظني وأوجز -وفي رواية علمني وأوجز- فقال عليه الصلاة والسلام:" إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا، واجمع الإياس مما في أيدي الناس" رواه أحمد والطبراني، هذه وصية عظيمة تدعونا إلى إمساك ألسنتنا عن الكلام الخطأ بكل أنواعه حتى لا نضطر إلى الاعتذار أما إذا وقع الخطأ فالاعتذار وطلب العفو واجب حتى لا يكون الطرف الآخر خصما لنا يوم الحساب.
وورد في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أوصني، فقال: عليك بالإياس مما في أيدي الناس، و إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، وصل صلاتك وأنت مودع، وإياك وما تعتذر منه.(رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي)
وأخيرا: لا يمكن أن نعيد الزمن ونتوقف عما بدر منا من أخطاء أو سلوكيات مسيئة أو محزنة أو مؤلمة للآخرين، لكننا نستطيع أن نمحو آثار تلك الأخطاء وعدم التمادي فيها بكلمة بسيطة صادقة تنبع من قلوبنا المحبة وألسنتنا الصادقة " أنا آسف"! كلمة اعتذار نرجو منها فتح صفحة جديدة في علاقتنا مع الآخرين.