- اسم الكاتب:موقع: قصة الإسلام
- التصنيف:مدن ومعالم حضارية
كان صلاح الدين الأيوبي الذي حكم بين (570 - 589هـ / 1171 - 1192م) واحدا من أكثر الحكام في زمانه اهتماما بالعلم والعلماء وبناء المدارس و المساجد والمستشفيات حتى ليعجب الدارس لموضوع الطب والأطباء في عصره وهو يرى في المصادر الكثرة الكاثرة من الأطباء والعلماء، ويشتد عجبه حين يبهره شغف صلاح الدين بمجالسة خواصه من العقلاء والعلماء والأطباء الذين كانوا دائما بمعيته في الحرب والسلم على السواء، يغدق عليهم العطايا والرواتب، ويبدوا أنه كان للأطباء عنده مكانة خاصة حيث يروي ابن أبي أصيبعة قصصا عن الهبات العظيمة لبعضهم والرواتب الخيالية للبعض الآخر الذين أناط بهم العمل في المستشفيات سواء المبنية سابقا أو التي قام ببنائها. ولو أردنا سرد واستقصاء جميع الأطباء الذين عاصروا صلاح الدين لطال بنا الشوط، لذا سوف نركز هنا على المستشفيات التي طورها أو قام بإنشائها .
لقد أنشأ صلاح الدين سبعة بيمارستانات، هـي:
1-: بيمارستان القدس: لما فتح صلاح الدين القدس سنة 583هـ أعاد فتح المدرسة التي كان الفرنج قد جعلوها كنيسة عندما ملكوا القدس سنة 492هـ، وأمر بأن تجعل الكنيسة المجاورة لدار الأشبيتار بقرب حمامه مارستانا للمرضى ووقف عليها مواضع وخصص أدوية وعقاقير غزيرة وفوض القضاء والنظر في هذه الوقوف إلى القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع أبي تميم.
2-: بيمارستان عكا:في سنة 583هـ بعد أن فتح السلطان صلاح الدين بيت المقدس واستنقذه من أيدي الصليبين ، انصرف إلى دمشق واجتاز في طريقه إلى عكا ، ولما وصل إليها نزل بقلعتها ووكل بعمارتها وتجديد محاسنها بهاء الدين قراقوش ، ووقف دار الأشبيتار نصفين على الفقراء والفقهاء وجعل دار الأسقف مارستانا، ووقف على ذلك كله أوقافا دارة، وولى نظر ذلك لقاضيها جمال الدين ابن الشيخ أبي النجيب وعاد إلى دمشق مؤيدا منصورا .
3: البيمارستان الناصري أو الصلاحي أو بيمارستان صلاح الدين في القاهرة:
لما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن يوسف بن أيوب الديار المصرية (سنة 567هـ / 1171م) واستولى على القصر قصر الفاطميين العبيديين، كان في القصر قاعة بناها العزيز بالله في سنة 384هـ / 994م فجعلها السلطان صلاح الدين بيمارستانا، وهو باق على هيئته إلى الآن (أي زمن القلقشندي (ت 821هـ)).
قال القاضي الفاضل في متجددات سنة 557هـ / 1181م: "أمر السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بفتح مارستانا للمرضى والضعفاء فاختير مكانا بالقصر، وأفرد برسم من جملة الرباع الديوانية، مشاهرة مبلغها مائتا دينار وغلات جهتها الفيوم، واستخدم له أطباء وكحالين وجرائحيين وشارفا وعاملا وخداما ووجد الناس به رفقا وبه نفعا".
قال أبو الحسن محمد بن جبير الرحالة الأندلسي عند زيارته لمدينة القاهرة ، سنة 578هـ / 1182م وذلك في عهد السلطان صلاح الدين: "ومما شاهدناه في مفاخر هذا السلطان، المارستان الذي بمدينة القاهرة، وهو قصر من القصور الرائعة، حسنا واتساعا أبرزه لهذه الفضيلة تأجرا واحتسابا، وعين قيما من أهل المعرفة، وضع لديه خزائن العقاقير ومكنه من استعمال الأشربة وإقامتها على اختلاف أنواعها، ووضعت في مقاصير ذلك القصر أسرة يتخذها المرضى مضاجع كاملة .. وبين يدي ذلك القيم خدمة يتكلفون بتفقد أحوال المرضى بكرة وعشية، فيقابلون من الأغذية والأشربة بما يليق بهم. وبإزاء هذا الموضع موضع مقتطع للنساء المرضى ولهن أيضا من يتكفلهن ويتصل بالموضعين المذكورين موضع خير متسع الفناء فيه مقاصير عليها شبابيك من الحديد اتخذت مجالس للمجانين. ولهم أيضا من يتفقد في كل يوم أحوالهم ويقابلها بما يصلح لها. والسلطان يتطلع هذه الأحوال كلها بالبحث والسؤال ويؤكد في الاعتناء بها والمثابرة عليها غاية التأكيد".
4-: بيمارستان الإسكندرية: قال تقي الدين المقريزي: "في السابع عشر من شوال سنة 577هـ سار السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الإسكندرية فدخلها في الخامس والعشرين من شهر شوال، وشرع في قراءة الموطأ، وأنشأ بها بيمارستانا ودار للمغاربة ومدرسة على ضريح المعظم توران شاه".
5-: قاعة النساء في البيمارستان النوري أو العتيق بحلب ، وفي هذا المارستان قاعة للنساء مكتوب عليها: "عمر هذا المكان في دولة صلاح الدين يوسف بن أيوب".
6-: بيمارستان الفسطاط: وقد أبدى صلاح الدين اهتماما بالمستشفيات التي بناها والتي كانت مبنية من قبل، وذلك بتعيين المشرفين والأطباء الجيدين مع تخصيص مخصصات سخية للعاملين فيها، فقد جاء أنه من اختصاصات ديوان الأوقاف ما يلي: "وكذلك يشرف هذا الديوان على الأنفاق على المدارس الصلاحية والمارستانات الثلاثة التي شيدها صلاح الدين بالقاهرة والفسطاط والإسكندرية" .
7-: مارستانات الطلبة: وكمثال لهذه المارستانات والتي تبين رعاية صلاح الدين لطلاب العلم (والطب منها)، الذين يفدون إلى المدن الرئيسية التي كانت تحت سلطته، يصف الرحالة ابن جبير مناقب الإسكندرية فيقول: "ومن مناقب هذا البلد ومفاخره العائدة في الحقيقة إلى سلطانه، المدارس والمحارس (مأوى الدارسين والزهاد والمسافرين) الموضوعة فيه لأهل الطب والتعبد يفدون من الأقطار النائية، فيلقى كل واحد منهم سكنا يأوي إليه، ومدرسا يعلمه الفن الذي يريد تعلمه، وإجراء يقوم به في جميع أحواله واتسع اعتناء السلطان بهؤلاء الغرباء الطارئين حتى أمر بتعيين حمامات يستحمون فيها متى احتاجوا إلى ذلك، ونصب لهم مارستانا لعلاج من مرض منهم، ووكل بهم أطباء يتفقدون أحوالهم، وتحت أيديهم خدام يأمرونهم بالنظر في مصالحهم التي يشيرون بها من علاج وغذاء. وقد رتب أيضا فيه أقواما برسم الزيارة للمرضى الذين يتنزهون عن الوصول للمارستان المذكور من الغرباء خاصة، وينهون إلى الأطباء أحوالهم ليتكفلوا بمعالجتهم" .
كان صلاح الدين واحدا من أكثر الحكام في زمانه اهتماما بالعلم والعلماء والأطباء وبناء المدارس والمساجد والمستشفيات، وكل ذلك دليل على كونه رجل علم بجانب كونه بطلا حرر أرض المسلمين من الغزاة الصليبيين.
______________
موقع: قصة الإسلام بـــ"تصرف"