- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:من بدر إلى الحديبية
الأحزاب: هم المشركون الذين توجهوا إلى المدينة المنورة وحاصروها بعشرة آلاف مقاتل، وذلك للقضاء على الإسلام. وكان المسلمون حينئذ داخل المدينة في حال شديدة، من برد قارص، وجوع شديد، وعدد قليل، وقد وصف الله عز وجل هذا الموقف بقوله: {ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا * إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}(الأحزاب: 11:9)، وذلك فيما عرف في السيرة النبوية بغزوة الأحزاب (الخندق) التي وقعت أحداثها في السنة الخامسة من الهجرة النبوية.
قال السعدي في تفسيره: "يذكر تعالى عباده المؤمنين، نعمته عليهم، ويحثهم على شكرها، حين جاءتهم جنود أهل مكة والحجاز، من فوقهم، وأهل نجد، من أسفل منهم، وتعاقدوا وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة، وذلك في وقعة الخندق. ومالأتهم طوائف اليهود، الذين حوالي المدينة، فجاءوا بجنود عظيمة وأمم كثيرة. وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المدينة، فحصروا المدينة، واشتد الأمر، وبلغت القلوب الحناجر، حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ، لما رأوا من الأسباب المستحكمة، والشدائد الشديدة، فلم يزل الحصار على المدينة، مدة طويلة، والأمر كما وصف الله: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا} أي: الظنون السيئة، أن الله لا ينصر دينه، ولا يتم كلمته. {هنالك ابتلي المؤمنون} بهذه الفتنة العظيمة {وزلزلوا زلزالا شديدا} بالخوف والقلق، والجوع، ليتبين إيمانهم، ويزيد إيقانهم، فظهر ـ ولله الحمد ـ من إيمانهم وشدة يقينهم ما فاقوا فيه الأولين والآخرين".
والمتأمل في السيرة النبوية يستوقفه عظم شأن الدعاء واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به في غزواته وجهاده، قال ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" في حديثه عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في القتال: "وكان يشاور أصحابه في الجهاد، ولقاء العدو، وتخير المنازل.. وكان يبعث العيون يأتون بخبر عدوه، ويطلع الطلائع، ويبث الحرس، وإذا لقي عدوه، وقف ودعا واستنصر الله، وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله.. وكان إذا لقي العدو يقول: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم، وانصرنا عليهم)".
وحين اشتد الكرب على المسلمين في غزوة الأحزاب، ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر، فوجههم إلى التضرع إلى الله عز وجل والتوجه إليه بالدعاء، ودعا الله تعالى معهم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر؟! قال: نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، قال: فضرب الله وجوه أعدائه بالريح، وهزمهم الله بالريح) رواه أحمد وحسنه الألباني.
وعن عبد الله بن أوفى رضي الله عنه قال: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم) رواه البخاري.
قال القاضي عياض: "فيه جواز الدعاء على المشركين والانتصار به على العدو، وقيل: الإشارة بقوله: (منزل الكتاب، سريع الحساب) فى هذا الموطن توصل منه صلى الله عليه وسلم بما أنزل عليه من كتابه العزيز فخالفه عدوه. وسرعة الحساب إشارة إلى شدة الأخذ والبطش، كما قال: (هازم الأحزاب)".
وقال ابن حجر: "(اللهم منزل الكتاب) أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم، فبالكتاب إلى قوله تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم}(التوبة:14)، وبمجري السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله تعالى، وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح، وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر، فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال، وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم، وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم.. وأشار بهازم الأحزاب إلى التوسل بالنعمة السابقة وإلى تجريد التوكل، واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعل، وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث، فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية وهي الإسلام، وبإجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق، وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين".
وقال النووي: "وفيه استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار".
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس) رواه البخاري. وفي رواية أخرى حسنها الألباني: (ملأ الله قلوبهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى).
قال ابن حجر: "وفيه الدعاء عليهم بأن يملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، وليس فيه الدعاء عليهم بالهزيمة لكن يؤخذ من لفظ الزلزلة، لأن في إحراق بيوتهم غاية التزلزل لنفوسهم". وقال: "وفي هذا الحديث جواز الدعاء على المشركين بمثل ذلك".
وقال ابن بطال: "وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم على قوم ودعاؤه لآخرين بالتوبة، فإنما كان على حسب ما كانت ذنوبهم فى نفسه صلى الله عليه وسلم، فكان يدعو على من اشتد أذاه للمسلمين، وكان يدعو لمن يرجى نزوعه ورجوعه إليهم كما دعا لدوس حين قيل له: إن دوسا قد عصت وأبت ولم تكن لهم نكاية ولا أذى، فقال: (اللهم اهد دوسا وائت بهم) وأما هؤلاء فدعا عليهم لقتلهم المسلمين".
الدعاء سبب هام من أسباب النصر على الأعداء، ولا يعني ذلك عدم الاستعداد أو إعداد للقوة للقتال، ولا يتناقض مع التماس أسباب النصر الأخرى، قال الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}(الأنفال:60)، قال ابن كثير: "أمر الله تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة، فقال: {وأعدوا لهم ما استطعتم} أي: مهما أمكنكم، {من قوة ومن رباط الخيل}" . وقال السعدي:"أي {وأعدوا} لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم {ما استطعتم من قوة} أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم". وفي غزوة الأحزاب تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع سنة الأخذ بالأسباب، فحفر الخندق، ووضع ورسم الخطط، وبذل الجهد، وأعد العدة المتاحة له، وإن كانت قليلة، وكان كثير الدعاء، شديد التضرع لله عز وجل، وهذا درس هام من دروس غزوة الأحزاب وغيرها من غزوات، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم، وانصرنا عليهم).