تصدقوا.. تصدقوا؛ فأنتم في رمضان

0 939

تصدقوا.. تصدقوا.. فأنتم في رمضان شهر الجود والإحسان، شهر النفقة والعطاء، شهر البذل والمواساة.

تصدقوا.. تصدقوا.. فإن الله جواد يحب الجود، كريم يحب الكرم.
وهو القائل في الحديث القدسي: (ياعبادي.. لو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا في صعيد واحد فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته، فأعطيت كل سائل منكم، ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها إليه) قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض، فإنه لم يغض ما في يده).

فالله سبحانه هو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين.. وهو سبحانه يضاعف جوده على عباده في الأوقات الفاضلة، ومواسم الخيرات والتي من أخصها شهر رمضان، فيضاعف عطاءه عليهم في الحسيات والمعنويات: فيفتح عليهم من أبواب الأرزاق من المطعومات والمأكولات والمشروبات والملبوسات ما لا يوسع في غيره، وهذا محسوس مشاهد.. وكذا يفتح من أبواب العفو والصفح والتوبة والمغفرة ما لا يكون في غيره، ويكفي في ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة). وقوله عن أبي أمامة: (لله عند كل فطر عتقاء) رواه أحمد، وهو في صحيح الترهيب.

تصدقوا.. تصدقوا.. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم -أجود بالخير من الريح المرسلة)، وفي رواية أحمد زيادة: (لا يسأل عن شيء إلا أعطاه).

تصدقوا.. تصدقوا.. فإن من مقاصد الصيام أن يجوع الغني المسلم ويعطش لبعض الوقت كي يعيش إحساس الجائعين، ويتذكر المحرومين؛ لعله تتحرك فيه روح العطف والشفقة والرحمة بالعطشى والجوعى والمحرومين من إخوانه الذين ملؤوا مشارق الأرض ومغاربها.

تصدقوا.. تصدقوا.. فإن من مقاصد الصيام إزكاء روح الأخوة والوحدة بين أبناء هذه الأمة {إنما المؤمنون إخوة}(الحجرات:10)، وفي الحديث (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
لقد أثنى الله على الأنصار لإيوائهم المهاجرين، وإيثارهم لهم، وكفالتهم إياهم، فقال: {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ۚ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}(الحشر:9).

وأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الأشعريين فقد كانوا يجمعون ما في بيوتهم من طعام ثم يتقاسمونه بينهم بالسوية، وهذا منتهى التكامل في التكافل.. فأين نحن من هذه الأخلاق الزاكيات؟

تصدقوا.. تصدقوا: فإن الصدقة إعانة للصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، ومن أعانهم كان له مثل أجرهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا) رواه الترمذي.

تصدقوا.. تصدقوا: فإن ما تتصدقون به هو الذي يبقى لكم على الحقيقة وما سواه فان أو للوارث.. قال صلى الله عليه وسلم: (فإن مالك ما أمضيت ومال وارثك ما أبقيت)، وقد ذبحت في بيته شاة فتصدقوا بها إلا الذراع، فلما رجع قال لعائشة: (ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كتفها).

تصدقوا.. تصدقوا: فإن الصدقة تطهر النفس من داء البخل والشح والأثرة، {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}(الحشر:9).

تصدقوا.. تصدقوا: فإن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه؛ قال تعالى: {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ۖ ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ۚ والله الغني وأنتم الفقراء ۚ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد:38). {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ۖ بل هو شر لهم ۖ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} (آل عمران:180).

تصدقوا.. تصدقوا: فإنما تقرضون الغني الكريم السخي، يأخذه منكم هنا، ثم يوفيكم إياه هناك أضعافا مضاعفة.. {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم}(الحديد:11)، {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة}(البقرة:245)، وفي الحديث: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) متفق عليه.

تصدقوا.. تصدقوا: فإن الصدقة تغسل الذنوب وتمحو الخطايا: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي ۖ وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ۚ ويكفر عنكم من سيئاتكم}(البقرة:271)، وفي الحديث: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).

تصدقوا.. تصدقوا: فإن الجود سبب الأمن والسعادة والمنفقون لا خوف عليهم ولا يحزنون في الدنيا ولا في الآخرة، {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ۙ لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(البقرة:262)، {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(البقرة:274).

تصدقوا.. تصدقوا: فإن الجود سبب النماء والزيادة: إن الله وهبكم أموالا، وأمركم بالنفقة، ووعدكم بالقبول، وعظم لكم الأجر، ووعدكم بالخلف؛ فقال سبحانه: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}(سبأ: 39)، وقال أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم: (ثلاث أقسم عليهن: "مانقص مال من صدقة...) الحديث.

تصدقوا.. تصدقوا: الصدقة تدفع عنك البلاء، و(صنائع المعروف تقي مصارع السوء)، وما وقع كريم قط، فإن وقع وجد متكأ.

تصدقوا.. تصدقوا: فإن الصدقة ظل لكم في يوم الحر الشديد؛ قال عليه الصلاة والسلام: (المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة)، وقال عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).

تصدقوا.. تصدقوا: فإن الكريم السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار، والبخيل الشحيح بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار.
الجود مكرمة والبخل مبغضة .. لا يستوي البخل عند الله والجود

تصدقوا.. تصدقوا: فإن الجود يظهر المحاسن ويستر المعايب:
ويظهر عيب المرء في الناس بخله .. ويستره عنهم جميعا سخاؤه
تســتر بأثــواب السخـــاء فإنني .. أرى كل عـيب فالسخاء غطاؤه

وإن كثرت ذنوبك في البرايا .. وسرك أن يكون لها غطاء
تســـتر بالسخـــاء فكل عيب .. يغطــيه كـمــا قيل السخـاء

إننا نحتاج أن نجود في رمضان وفي غير رمضان.. إخوانك في كل مكان يحتاجون من يجود عليهم ويمد لهم يد العون.. فتصدقوا تصدقوا عسى الله أن يعفو عنا، ويعتق رقابنا من النار.. آمين.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة