- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:في ظلال آية
في سياق وعد الله عباده المؤمنين المعرض به في قوله سبحانه: {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} (يونس:61) وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من الكفار من أذى وتهديد، يخبر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالأمن من مخافة أعدائهم، ومن الحزن من جراء ذلك، ويلمح لهم بعاقبة النصر، ويعدهم البشرى في الآخرة وعدا لا يقبل التغيير ولا التخلف؛ تطمينا لنفوسهم، يقول عز شأنه: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} (يونس:26-64) نوضح المراد من هذه الآيات من خلال الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: (الأولياء) جمع (ولي) على وزن فعيل، وهو النصير والقائم على الأمر، من قول القائل: وليت أمر فلان: إذا صرت قيما به، فأنا أليه، وهو وليه وقيمه. ومن ذلك قيل: فلان ولي عهد المسلمين، يعني: القائم بما عهد إليه من أمر المسلمين.
الوقفة الثانية: للمفسرين قولان فيمن يطلق عليه اسم (الأولياء)؛ فقال بعضهم: هم قوم يذكر الله لرؤيتهم؛ لما عليهم من سيما الخير والإخبات، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال: الذين يذكر الله لرؤيتهم. وعن العلاء بن المسيب، عن أبي الضحى قال في هذه الآية: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال: من الناس مفاتيح، إذا رؤوا ذكر الله لرؤيتهم.
وقال آخرون: المراد ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء! قيل: من هم يا رسول الله؟ فلعلنا نحبهم! قال: هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم من نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، وقرأ: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} رواه أبو داود، وإسناده صحيح.
وعن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله، وتصافوا في الله، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليها، يفزع الناس فلا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). رواه أحمد وإسناده صحيح.
قال الطبري: والصواب من القول في ذلك أن يقال: (ولي الله) هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها، وهو الذي آمن واتقى، كما قال الله: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} قال ابن زيد في قوله: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} من هم يا رب؟ قال: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} قال: أبى أن يتقبل الإيمان إلا بالتقوى.
الوقفة الثالثة: قوله سبحانه: {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال القرطبي: {لا خوف عليهم} أي: في الآخرة. {ولا هم يحزنون} لفقد الدنيا. وقيل: أي من تولاه الله تعالى وتولى حفظه وحياطته ورضي عنه، فلا يخاف يوم القيامة ولا يحزن، قال الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها} -أي عن جهنم- {مبعدون} إلى قوله: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} (الأنبياء:101-103).
وذهب ابن عاشور إلى أن المراد من نفي الخوف والحزن، أنه لا خوف يخافه خائف عليهم، وهم أنفسهم إذا اعتراهم الخوف لا يلبث أن ينقشع عنهم، وتحل السكينة محله، كما قال تعالى: {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} (التوبة:25-26) وقال لموسى عليه السلام: {لا تخاف دركا ولا تخشى} (طه:77) وقال سبحانه: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (الأعراف:201).
قال: وجمهور المفسرين حملوا (الخوف) و(الحزن) المنفيين على ما يحصل لأهل الشقاوة في الآخرة، بناء على أن الخوف والحزن يحصلان في الدنيا، كقوله: {فأوجس في نفسه خيفة موسى} (طه:67) وقد علمت ما يغني عن هذا التأويل، وهو يبعد عن مفاد قوله: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.
الوقفة الرابعة: قال بعض أهل التفسير: هذه الآية هي أقوى ما يعتمد عليه في تفسير حقيقة (الولي) شرعا، وأن على حقيقتها يحمل معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (قال الله تعالى: من عادى لي وليا فقد آذنته بحرب) رواه الترمذي.
الوقفة الخامسة: قوله عز من قائل: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} الجملة من صفة الأولياء، أي: الذين صدقوا لله ورسوله، وما جاء به من عند الله، وكانوا يتقون الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلا خوف عليهم في الدنيا، ولا هم يحزنون في الآخرة، وهذا جزاء المؤمنين المتقين.
الوقفة السادسة: قوله سبحانه: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} اختلف أهل التأويل في {البشرى} التي بشر الله بها هؤلاء القوم ما هي؟ وما صفتها؟
فقال بعضهم: هي الرؤية الصالحة يراها الرجل المسلم، أو ترى له، وفي الآخرة الجنة. عن أبى الدرداء رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة يراها المؤمن، أو ترى له). وسأل عبادة بن الصامت رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن هذه الآية: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك) -أو قال: غيرك- قال: (هي الرؤية الصالحة، يراها الرجل الصالح، أو ترى له).
وقال آخرون: هي بشارة يبشر بها المؤمن في الدنيا عند الموت. روي عن الزهري، وقتادة: {لهم البشرى في الحياة الدنيا} قال: هي البشارة عند الموت في الحياة الدنيا.
قال الطبري: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا، ومن البشارة في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو ترى له، ومنها بشرى الملائكة إياه عند خروج نفسه برحمة الله، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الملائكة التي تحضره عند خروج نفسه، تقول لنفسه: اخرجي إلى رحمة الله ورضوانه). ومنها: بشرى الله إياه ما وعده في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الثواب الجزيل، كما قال جل ثناؤه: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات} (البقرة:25). ومن البشرى الوعد بأن لهم عاقبة النصر على الأعداء، وتمكينهم من السلطان في الدنيا، وأن لهم النعيم الخالد في الآخرة. وقوله سبحانه: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} (النور:55).
فأولياء الله محفوفون بعناية الله ورعايته في الدنيا، يكشف عنهم البلاء، ويدفع عنهم الضراء، ويكلؤهم بحفظه، ويؤيدهم بعونه وتوفيقه، وهم موعودون بالجنة في الآخرة، يقيمون فيها خير مقام، ويرزقون فيها بغير حساب، لهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.