لفظ (ظهر) في القرآن الكريم

0 12

مادة (ظهر) تدل على قوة وبروز؛ من ذلك: ظهر الشيء يظهر ظهورا، فهو ظاهر، إذا انكشف وبرز؛ ولذلك سمي وقت الظهر والظهيرة، وهو أظهر أوقات النهار وأضوؤها. والأصل في ذلك كله ظهر الإنسان، وهو خلاف بطنه، وهو يجمع البروز والقوة. ويقال للركاب: الظهر؛ لأن الذي يحمل منها الشيء ظهورها. وقولهم: أظهرنا، إذا سرنا في وقت الظهر. ومنه: ظهرت على كذا، إذا اطلعت عليه. والظهير: البعير القوي. والظهير: المعين، كأنه أسند ظهره إلى ظهر من يعينه. والظهور: الغلبة. و(ظهر) الشيء أصله: أن يحصل شيء على ظهر الأرض فلا يخفى، و(بطن) إذا حصل في بطنان الأرض فيخفى، ثم صار مستعملا في كل بارز مبصر بالبصر والبصيرة. والظهار: قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي. وهي كلمة كانوا يقولونها، يريدون بها الفراق. وإنما اختصوا (الظهر) لمكان الركوب، وإلا فسائر أعضائها في التحريم كالظهر. والظهري: كل شيء تجعله بظهر، أي تنساه، كأنك قد جعلته خلف ظهرك، إعراضا عنه وتركا له. وقد جعل فلان حاجتي بظهر، إذا لم يقبل عليها، بل جعلها وراءه.

و(المظاهرة) المعاونة، يجوز أن يكون فعلها مشتقا من الاسم الجامد وهو الظهر، أي: صلب الإنسان، أو البعير؛ لأن الظهر به قوة الإنسان في المشي والتغلب، وبه قوة البعير في الرحلة والحمل، يقال: بعير ظهير، أي قوي على الرحلة، مثل المعين لأحد على عمل بحال من يعطيه ظهره يحمل عليه، فكأنه يعيره ظهره ويعيره الآخر ظهره، فمن ثم جاءت صيغة المفاعلة. ويجوز أن يكون فعله مشتقا من الظهور، وهو مصدر ضد الخفاء؛ لأن المرء إذا انتصر على غيره ظهر حاله للناس، فمثل بالشيء الذي ظهر بعد خفاء.

ويقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل: نبذ حاجته وراء ظهره، أي: تركها لا يلتفت إليها. وإذا قضاها قيل: جعلها أمامه، ونصب عينيه، ويقال: ظهرت بحاجتي، وجعلتها ظهرية، أي: خلف ظهرك.

ولفظ (ظهر) ورد في القرآن الكريم في سبعة وخمسين موضعا، ورد بصيغة الفعل في خمسة وعشرين موضعا، من ذلك قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} (التوبة:33). وورد في صيغة الاسم في اثنين وثلاثين موضعا، من ذلك قوله تعالى: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} (غافر:29).

ولفظ (ظهر) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، هي وفق التالي:

(ظهر) بمعنى الغلبة والنصر، من ذلك قول الحق تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} (التوبة:33) أي: لينصره على الأديان كلها؛ ليكون أشرف الأديان وأغلبها. ونحوه قوله سبحانه: {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم} (الكهف:20) أي: يغلبوكم ويظفروا بكم. ومن ذلك قوله تعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة} (التوبة:8) أي: إن ينتصروا. ومنه أيضا قول مؤمن فرعون مخاطبا قومه: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} (غافر:29) أي: غالبين قاهرين. ومن هذا القبيل قول الحق تعالى: {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} (الصف:14) أي: منصورين على عدوهم غالبين له.

(ظهر) بمعنى التعاون والمعونة، من ذلك قوله سبحانه: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين بعد ذلك ظهير} (التحريم:4) أي: إن تتعاونا عليه -والخطاب لعائشة وحفصة رضي الله عنهما- فإن الله مولاه وجبريل والمؤمنين مؤيدين له ومعاونين له عليكما. ومنه كذلك قوله عز وجل: {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم} (الأحزاب:26) أي: ناصروهم وأعانوهم. وعلى هذا المعنى قوله عز شأنه: {وكان الكافر على ربه ظهيرا} (الفرقان:55) قال الطبري: وكان الكافر معينا للشيطان على ربه، مظاهرا له على معصيته. وقال أبو عبيدة: الظهير هو المظهور به، أي: هينا على ربه، كالشيء الذي خلفته وراء ظهرك، من قولك: ظهرت بكذا، أي خلفته، ولم ألتفت إليه. ونحو هذا قوله سبحانه: {ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} (الإسراء:88).

(ظهر) بمعنى بدا، من ذلك قوله عز وجل: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} يعنى بالظاهرة ما نقف عليها، والباطنة ما لا نعرفها. ومنه أيضا قوله سبحانه: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} (الروم:7) يعني: ما بدا منه من معاشهم، أي: يعرفون ذلك من شدة عنايتهم به، ويغفلون عن المعاد. ومنه كذلك قوله عز وجل: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة} (سبأ:18) أي: بادية؛ فكان تجار سبأ إذا خرجوا من مأرب إلى البلاد الشامية قوافل للتجارة وبيع الطعام، كلما ساروا مرحلة وجدوا قرية، أو بلدا، أو دارا للاستراحة، واستراحوا، وتزودوا.

(ظهر) بمعنى الفشو والانتشار، من ذلك قوله تعالى: {إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} (غافر:26) ومعنى إظهار موسى الفساد عندهم أنه يتسبب في ظهوره بدعوته إلى تغيير ما هم عليه من الديانة والعوائد. وإطلاق (الإظهار) على الفشو والانتشار على سبيل الاستعارة. ومنه أيضا قوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر} (الروم:41) أي: كثر وفشا. ويحمل على هذا المعنى أيضا قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} (الصف:9) أراد ظهور هذا الدين وانتشاره؛ كيلا يطمعوا أن يناله ما نال دين عيسى عليه السلام من القمع والخفت في أول أمره.

(ظهر) بمعنى الإطلاع؛ من ذلك قوله سبحانه: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول} (الجن:26-27) لا يطلع ولا ينبئ به أحدا من خلقه إلا من ارتضى من رسول. ونحوه قوله عز وجل: {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} (النور:31) أي: لم يطلعوا عليها، وهذا كناية عن خلو بالهم من شهوة النساء، وذلك ما قبل سن المراهقة. ومن ذلك كذلك قوله عز وجل: {فلما نبأت به وأظهره الله عليه} (التحريم:3) يعني أطلعه عليه.

(ظهر) بمعنى العلو والارتقاء، من ذلك قوله سبحانه في قصة ذي القرنين: {فما اسطاعوا أن يظهروه} أي: يعلوه ويتسوروه، وهو من قولهم: ظهر فوق البيت؛ إذ علاه. وعدم استطاعتهم ذلك لارتفاعه وصلابته. ومنه أيضا قول الحق تعالى: {ومعارج عليها يظهرون} (الزخرف:33) أي: يعلون.

(الظاهر) بمعنى الباطل، من ذلك قوله عز وجل: {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول} (الرعد:33) أي: بباطل، و(أم) ها هنا بمعنى (بل) كقوله تعالى: {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين} (الزخرف:52) أي: بل أنا خير. لأنه قال: أيخبرونهم بما لا يعلم في الأرض، بل يقول؛ زائل باطل لا يثبت، وهو ادعاؤكم لهم الإلهية. قال ابن عاشور: (الظهور) هنا بمعنى الزوال، كناية عن البطلان، أي: بمجرد قبول لا ثبات له، وليس بحق. ومنه قوله تعالى: {يظاهرون من نسائهم} (المجادلة:3) أي: يقولون باطلا.

(ظهر) بمعنى الإعراض عن الشيء، من ذلك قوله تعالى على لسان النبي شعيب مخاطبا قومه: {قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا} (هود:92) أي: استخففتم بربكم، فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون لأمره، ولا تخافون عقابه، ولا تعظمونه حق عظمته. قال البغوي: أي: نبذتم أمر الله وراء ظهوركم وتركتموه. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {فنبذوه وراء ظهورهم} (آل عمران:187) أي: فتركوا أمر الله وضيعوه، ونقضوا ميثاقه الذي أخذ عليهم بذلك.

(ظهر) بمعنى الدخول في وقت الظهر، من ذلك قوله تعالى: {وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} (النور:58) يعني نصف النهار. وقوله سبحانه: {وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون} (الروم:18) أي: تصلون الظهر عند انتصاف النهار.

وحاصل ما تقدم، أن مادة (ظهر) وما اشتق منها أكثر ما جاءت بمعنى (الغلبة والنصر) وبمعنى (التعاون والمعونة) وجاءت بدرجة تالية بمعنى (الفشو والانتشار) وجاءت بمعنى (البدو) و(الإطلاع) وجاءت أيضا بمعنى (العلو والارتقاء) وبمعنى (الإعراض عن الشيء) وجاءت بدرجة أقل بمعنى (البطلان) وبمعنى (وقت منتصف النهار).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة