حكمة الرحمن في نجاة قافلة أبي سفيان

0 794

حكمة الله البالغة تتجلى في كل أحكامه وفي كل أفعاله، وليس شيء في الكون يحدث عبثا، ولا شيء يجري إلا على قانون الحكمة.. ولكن قد يوفق الإنسان لرؤيتها ومعرفتها وقد لا يوفق.. وليس معنى عدم الإحاطة بها عدم وجودها، "فعدم العلم بالشيء ليس علما على العدم"، وما يعرفه فلان قد لا يعرفه الآخر، ولكن تبقى حكمة الله تجري في كل ما حولنا، ولا يبقى لنا بعد البحث إلا الاعتراف والتسليم لحكمة العليم الحكيم.

كانت غزوة بدر واحدة من الأحداث العظيمة في تاريخ الإسلام، ويوما مشهودا من أيام الله تبارك وتعالى، ومعركة الفرقان التي فرق الله فيها بين الحق والباطل، وأعز الله فيها دينه وأتباع دينه على رأسهم سيد  المرسلين وخاتم النبيين، وقمع المشركين ورفع منار الحق إلى عليين.

ومعلوم أن الصحابة كانوا قد خرجوا للفوز بقافلة قريش بقيادة أبي سفيان، وكان أكثرهم يمني النفس بالغنيمة والمال ورد شيء مما سرقه المشركون من أمولاهم، وما نهبوه من حقوقهم، واستولوا عليه ـ ظلما وعدوانا من بيوتهم وثرواتهم ـ في مكة.. وقد كان الاستيلاء على القافلة رحلة يسيرة للناظرين وغنيمة باردة لهؤلاء المطرودين.

لكن فجأة تحول الأمر إلى مواجهة فارقة بين جماعة خرجت على عجالة دون استعداد لتتلقى قافلة تجارية، وبين جيش على أتم الاستعداد خرج ليمحو وجود الإسلام ويقضي على الدعوة، وهو في أتم استعداد وأكمل عدة وعتاد ، مع فارق العدد الذي وصل إلى الثلاثة أضعاف لصالح المشركين، أراد الله للقافلة أن تنجو، وأن يحصل الاصطدام الرهيب وبهذه الصورة العجيبة.

وتساءل الناس عن الحكمة، وبحث العلماء ونظر الدعاة والبلغاء وأخرج كل ما في جعبته.. ورأينا لمن كتبوا حكما كثيرة، وشيئا من عجائب صنع الله في تدبير أمر الدين ونصر المؤمنين.

وكان من جميل ما كتب في هذا المضمار ما ذكره الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله رحمة واسعةـ في كتابه "الحق المر" حيث يقول:

عندما كنت أتلو سورة الأنفال، وأتتبع معركة بدر، قلت لمن حولى: نحمد الله أن قافلة قريش نجت وفر بها أبو سفيان.

فسألنى سائل: ولماذا وقد كان الصحابة يتمنون الإستيلاء عليها، وهم على أية حال أولى بها من مشركى مكة؟

قلت: لو وقعت فى أيديهم، ودار القتال من أجلها لقال المستشرقون: جهاد لطلب المال وحب الدنيا، من أجل القافلة خرجوا، وفى سبيلها ماتوا، وسينسى المرجفون والأفاكون خمس عشرة سنة انقضت فى كفاح مرير وتضحية موصولة قبل معركة بدر!

فشاء الله أن تسير الأمور ضد رغبة الأصحاب، وأن تخلص القافلة لعبدة الأوثان.
{وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين}(الأنفال:7)

وهكذا أراد الله أن يدور القتال ولا تشوبه شائبة بين توحيد يرجو الله واليوم الآخر، ووثنية لا ترجو لله وقارا، ولا تنشد عنده ثوابا.

فماذا كانت النتيجة؟
كسب المسلمون المعركة بشرف باذخ وسطوة اشرأبت لها الأعناق فى جزيرة العرب!

ثم ماذا؟
لعل أصحاب القافلة باعوا نفائسها لافتداء أسراهم فى المدينة الظافرة،

ثم ماذا أيضا؟
يحكى أبو تمام فى حماسته أن امرأة فى مكة سمع صياحها لأن بعيرا لها أنطلق فى الصحراء. فقال أحد رجال مكة المكظومين:
أتبكى أن يضل لها بعـير .. .. ويمنعها من النوم الســهود
فلا تبكى على بكر ولكن .. .. على بدر تقاصرت الجدود
ألا قد ســاد بعـدهم أناس .. .. ولولا يوم بدر لم يســودوا

نعم إن يوم بدر قلب موازين الشرك كلها، وخفض رجالا ورفع آخرين. فهل علم من يجهل حكمة الله فى تمكين القافلة من الفرار، وعدم تحقيق رجاء المسلمين فى الاستحواذ عليها؟

فهل نعلم الآن أن فقد التيار الإسلامى للجولة مع العلمانيين والنصارى وغيرهم ليس هو الشر كما نتخيل، بل والله أرى في ذلك كل خير فهى الممحصة، وهى الفرز للصفوف: أيهم فى جانب الرحمن وأيهم فى جانب الشيطان.

"فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله، وتقربوا إليه بما يحب وسيكون النصر من قلب الهزيمة"..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(كتاب "الحق المر": 8، 9)

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة