أحاديث النهي عن السب

0 1368

 كل واحد منا مسؤول عن جوارحه التي سخرها الله له، بل ستكون شاهدة عليه بالخير، أو بالشر كما قال تعالى : ( حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ) (فصلت :20ـ21)
وبما أن اللسان هو أكثر ما يدخل الناس النار، كما ثبت ذلك في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الطويل وفيه: ( ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروته وسنامه ؟ قلت بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه قال كف عليك هذا فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به ؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) رواه الترمذي
فلا نجاة للمرء إلا بالصمت عن الشر، أو القول بالخير، ومن الشر الذي يهلك الانسان به السب والشتم، وقد ورد في السنة النبوية مجموعة أحاديث تنهى عن السب، ومن هذه الأحاديث.

النهي عن سب الصحابة

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه سلم قال: ( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) رواه البخاري
والصحابي هو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا، ومات على الايمان.
وهذا النهي للتحريم، فهم حملة الشريعة وأصحاب خير الأنبياء والمرسلين، وسبهم فيه تنقيص لهم وقدح في القرآن والسنة، إذ أثنى عليهم الله في كتابه وترضى عنهم.

النهي عن سب الدهر.

عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ) رواه مسلم، وفي لفظ : قال رسول الله: يقول الله: ( أنا الدهر، بيدي الليل والنهار أجده وأبليه، وأذهب بالملوك وآتى بهم ) رواه البخاري
ومعنى : أنا الدهر: أي أنا ملك الدهر ومصرفه، وهذا الحديث ورد نهيا عن ما كان أهل الجاهلية يقولونه من ذم الدهر وسبه لما ينزل من المصائب في الأموال والأنفس، وكانوا يضيفون ذلك إلى الدهر، ويسبونه، ويذمونه بذلك على أنه الفاعل ذلك بهم، وإذا وقع سبهم على من فعل ذلك بهم وقع على الله عز وجل، فجاء النهي عن ذلك، تنزيها لله تعالى وإجلالا له لما فيه من مضارعة سب الله وذمه، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا.

النهي عن سب الأموات:

عن عائشة رضي الله عنها قالت:  قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) رواه البخاري
والأموات بالألف واللام للعهد أي أموات المسلمين، وقيل للجنس، والحديث دليل على تحريم سب الأموات، قال ابن رشد : إن سب الكافر محرم ، إذا تأذى به الحي المسلم ، ويحل إذا لم يحصل به أذية . وأما المسلم فيحرم ، إلا إذا دعت إليه الضرورة.
وقوله: ( فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) علة للنهي عن السب، إذ أنهم قد أصبحوا بين يدي ربهم وسوف يواجهون حكما عدلا لا يظلمهم فيجازيهم على حسناتهم ويعاقبهم على سيئاتهم, فالسب لا نتيجة له ولا فائدة منه، وهناك علة أخرى كما في رواية ( لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء ) رواه أحمد وغيره
فيكون سب الأموات له معنيان: المعنى الأول: أنه لغو؛ لأنهم أفضوا إلى ما قدموا، والمعنى الثاني: أنهم إذا كان لهم أحياء فسوف يتأذون، وحينئذ فسب الأموات دائر بين أمرين: إما لغو لا فائدة منه، وإما إيذاء للأحياء؛ فلهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

النهي عن سب المسلم:

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ) . متفق عليه .
سباب: أي سبه وشتمه، قال إبراهيم الحربي السباب أشد من السب وهو أن يقول في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه.
وفي هذا الحديث دلالة على أن سب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم، وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الشخص الذي يسب غيره أو يعيره بأن فيه جاهلية، روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم...) وهذا غاية في ذم السب وتقبيحه، لأن أمور الجاهلية حرام منسوخة بالإسلام، فوجب على كل مسلم هجرانها واجتنابها.

النهي عن سب الوالدين :

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه ) رواه البخاري.
في هذا الحديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يسب أبا الرجل، لأنه إذا سبه أفضى إلى سب الثاني لأبي الأول، فكأنه تذرع بهذا الأمر للمحذور، وبناء على ذلك فإن هذا الحديث أصل في سد الذرائع، ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم، يحرم عليه ذلك الفعل، وإن لم يقصد إلى ما يحرم، والأصل في هذا قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ( الأنعام: 108)، كما تضمن الحديث أنه إن كان  التسبب إلى لعن الوالد من أكبر الكبائر فالتصريح بلعنه أشد.

النهي عن سب الشيطان:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : ( لا تسبوا الشيطان و تعوذوا بالله من شره ) رواه تمام في فوائده وصححه الالباني
في هذا الحديث توجيه نبوي إلى كيفية التعامل مع الشيطان، وهو بالتعوذ، لا بالسب، والحكمة في ذلك ما رواه يحي بن معين في جزء له من حديث أبي هريرة قال : ( لا تسبوا الشيطان ، فإنه يتغيظ ، ولكن تعوذوا بالله من شره )، ويؤيد ذلك قوله تعالى : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) ( الأعراف:200) ، فأمر الله بدفع وسوسة الشيطان بالعوذ بالله ، والعوذ بالله هو الالتجاء إليه بالدعاء بالعصمة  .

النهي عن سب الريح :

جاء في السنة أن من رأى الريح فلا يسبها، بل يسأل الله خيرها ويتعوذ من شرها لأنها من روح الله.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الريح من روح الله تأتي بالرحمة والعذاب، فلا تسبوها ولكن سلوا الله من خيرها، وتعوذوا بالله من شرها ) رواه أبو داود، قال الشافعي رحمه الله : ولا ينبغي لأحد أن يسب الريح، فإنها خلق لله مطيع، وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء. 

النهي عن سب الديك:

عن زيد بن خالد الجهني قال : لعن رجل ديكا صاح عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ( لا تلعنه فإنه يدعو إلى الصلاة ) رواه أحمد، وفي رواية : ( لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة) رواه أبو داود
يدل هذا الحديث على أن سب الديك منهي عنه، وذلك لأجل أنه يدعو للصلاة ويوقظ إليها، قال الدميري في حياة الحيوان : وأعظم ما في الديك من العجائب معرفة الأوقات الليلية فيقسط أصواته عليه تقسيطا لا يغادر منه شيئا سواء طال أو قصر.
وأما الحديث الذي فيه أن النهي عن سب الديك لأنه صديق النبي صلى الله عليه، فهو حديث موضوع كما رواه ابن الجوزي في الموضوعات.

النهي عن سب الحمى

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ( أن رسل الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب، أو أم المسيب، فقال: مالك يا أم السائب تزغزفبن؟ قالت: الحمى ، لا بارك الله فيها، قال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد) رواه مسلم.      تزفزفين: تتحركين حركة سريعة، ومعناه ترتعد.

دل هذا الحديث على أن النهي عن سب الحمى، هو أن الله جعلها كفارة للخطايا والذنوب، كما هو شأن المصائب والابتلاءات، وهو من الخير الذي يريده الله تعالى بالعبد.
وورد ما يدل على أن الحمى من فيح جهنم، وأن الواجب على المسلم عند وجودها أن يبردها بالماء كما في الحديث : عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء) رواه البخاري
 
هذه بعض النواهي التي جاءت بها السنة في النهي عن السب أو الشتم، أو اللعن، والواجب على المسلم أن يحذر من ذلك، لأنه مسؤول ومحاسب، وعليه أن يعرف سبب النهي حتى يتحاشى ذلك.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة