تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عيه وسلم

0 607

تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره، شعبة عظيمة من شعب الإيمان، وحق واجب من حقوق نبينا صلى الله عليه وسلم علينا، وقد أمرنا الله عز وجل بذلك فقال: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا}(الفتح:9:8). قال ابن كثير: "قال ابن عباس وغير واحد: يعظموه، {وتوقروه} من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام"، وقال ابن تيمية: "فالتسبيح لله وحده، والتعزير والتوقير للرسول، والإيمان بالله ورسوله". وقال السعدي: "أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه صلى الله عليه وسلم".

وقد أحب وعظم الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا وتعظيما فاق كل حب وتعظيم، وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ". وقد عبر عروة بن مسعود الثقفي ـ قبل إسلامه ـ عن مدى حب وتعظيم وتوقير الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ـ حين رجع إلى قريش بعد مفاوضته مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية ـ فقال: (أي قوم! والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر، وكسرى، والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له) رواه البخاري.

والسيرة النبوية زاخرة بالكثير من الصور والأمثلة الدالة على شدة تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:

ـ قصة ضيافة أبي أيوب الأنصاري وزوجته رضي الله عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه مهاجرا إلى المدينة المنورة مشهورة في كتب السنة والسيرة النبوية، وقد رواها مسلم في صحيحه عن أفلح مولى أبي أيوب عن أبي أيوب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل وأبو أيوب في العلو، قال: فانتبه أبو أيوب ليلة فقال: نمشي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فتنحوا فباتوا في جانب، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: السفل أرفق، فقال: لا أعلو سقيفة أنت تحتها، فتحول النبي صلى الله عليه وسلم في العلو، وأبو أيوب في السفل).
قال النووي: "أما نزوله صلى الله عليه وسلم أولا في السفل فقد صرح بسببه وأنه أرفق به وبأصحابه وقاصديه، وأما كراهة أبي أيوب فمن الأدب المحبوب الجميل، وفيه إجلال أهل الفضل، والمبالغة في الأدب معهم، والسفل والعلو بكسر أولهما وضمه لغتان".

ـ وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة) رواه مسلم. قال النووي في فوائد هذا الحديث: "وفيه ما كانت الصحابة عليه من توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله". 
 
ـ وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير). وعن بريدة بن الحصيب قال: (وكنا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نرفع أبصارنا إليه) رواه الطبراني. وروى البيهقي وغيره: (أن الصحابة إذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له). قال الطيبي: "كان أصحابه في مجلسه كأن على رءوسهم الطير، وذلك عزة منه لا كبر وسوء خلق، وإن تلك العزة ألبسها الله تعالي إياه صلوات الله عليه لا من تلقاء نفسه".

ـ وعن أنس رضي الله عنه قال: (إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وفي "تحفة الأحوذي" للمباركفوري: "وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حسن لمن قرب محله من بابه، أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه. وذكر السهيلي أن السبب في قرعهم بابه بالأظافير أن بابه لم يكن فيه حلق فلأجل ذلك فعله، والذي يظهر أنه إنما كانوا يفعلون ذلك توقيرا وإجلالا وأدبا".
 
ـ وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (أتيت (وكان غلاما صغيرا) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من آخر الليل فصليت خلفه، فأخذ بيدي فجرني فجعلني حذاءه (بجانبه)، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست (تأخرت)، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لي ما شأني.. فقلت: يا رسول الله أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك، وأنت رسول الله الذي أعطاك الله، قال: فأعجبته، فدعا الله لي أن يزيدني علما وفهما) رواه أحمد وصححه الألباني.

ـ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه، وأطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل) رواه مسلم. أي: يتلقفون شعره قبل أن يسقط على الأرض، ويحتفظون بما يلتقطون من شعره إكراما لشعر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك بيان لمدى حب وتعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم.

فائدة:

من المعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، وهو سيد الأولين والآخرين، وصاحب المقام المحمود، والحوض المورود، ومع علو منزلته وحبنا وتعظيمنا له صلوات الله وسلامه عليه، فإننا لا نغالي فيه، ولا نرفعه فوق منزلة النبوة التي رفعه الله إليها، فهو رسول الله وعبد لله، وهو بشر لا يعلم الغيب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا، قال الله تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}(الأنعام: 50)، وقال تعالى: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون}(الأعراف: 188). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تطروني (تبالغوا في مدحي) كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري.

إن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ومنها: محبته وتعظيمه، وتوقيره والأدب معه، واتباعه وطاعته وعدم معصيته، وإنزاله مكانته بلا غلو ولا تقصير ـ أجل وأعظم، وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق الآباء على أولادهم، فحق علينا أن نحبه ونعظمه ونوقره، وفي ذلك الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}(الأعراف: 157). قال ابن كثير: "وقوله: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه} أي: عظموه ووقروه، {واتبعوا النور الذي أنزل معه} أي: القرآن والوحي الذي جاء به مبلغا إلى الناس، {أولئك هم المفلحون} أي: في الدنيا والآخرة".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة